«القراءة هي ذاكرة الإنسان الحية، ومستشفى العقول، إذا تسلحت بها رفعت مقامك، وهذبت خلقك، وشحذت ذكاءك». نظرة عابرة على هذه الكليمات تنبئ أنها حكمة أو كلام من أحد الحكماء، حقا إن فيها من الحكمة ما لا يوجد في غيرها، ولكن قائلتها لم تجرب الحياة بشكل جدي، إذ عمرها لم يتجاوز عشر سنين، وهي من مواليد 2009م، وجاء اختيار هذه الكلمات الفذة الجامعة في حفل ختامي لمسابقة «تحدي القراءة العربي 2018م» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم؛ لتعزيز القراءة عند الناشئة في العالم العربي، وكانت الفائزة الأولى مريم أمجون، التي قرأت 200 كتاب واستطاعت المشاركة ب60 منها. وقراءتها لم تقتصر على النظرة في هذه الكتب، بل مما فعلته التلخيص وغيره. العالم الأدبي الكبير عبدالله بن المقفع يذكر في كتابه الشهير «الأدب الكبير» أن العلم علمان: علم للمنافع، وعلم لتذكية العقول، فالأول ما ينشط له صاحبه من غير أن يحض، والثاني هو ذكاء العقول وصقالها وجلاؤها وهو فضيلة منزلة عند أهل الفضيلة والألباب. فالقراءة لتذكية العقول تسبق بدوافع الشخصية والحوافز منها، فصاحبها يشعر بالمتعة، تجده أكثر وعيا، وأعمق فهما، وأوجز كلاما من الذي تقتصر همته على المقررات الدراسية فقط. ثم القراءة والمطالعة للاستمتاع والفائدة خير جليس الشخص في هذا الزمان، الذي ندر فيه أن يحصل هو على علاقة ممتعة وأنيسة من قبل صديق، فندر الأخلاء، وقل الوفاء، ولكن الصديق الوفي الوحيد الذي لا يخذل أبدا هو الكتاب، لا ريب فيه. أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب رغم التحفيزات والحث المتكرر الذي نجده من بعض الكتاب وتوفر الكتب المساعدة على اكتساب مهارات القراءة ووفرة التسهيلات المتعلقة بهذا الباب، إلا أننا نجد أن مستوى القراءة في شعوبنا لا يزال في انحطاط مستمر، والدراسات الحديثة لا تنبئ عن خبر سار عن وضع المطالعة في المجتمع العربي، في حين بالكاد شباب المغرب لا تعيقهم التكنولوجيات الحديثة عن أخذ حظهم من القراءة والمطالعة، بل الكتب الإلكترونية فتحت بابا للمعارف وأدهشت العالم، المعلومات تزداد يوما فيوما، حتى الشخص الذي يصرف جل وقته في القراءة يقف أمام هذا البحر الزاخر مدهشا حائرا يشعر كأنه لم يقرأ شيئا. ومن هذا المنطلق تتضح أهمية معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي أتاح فرصة ذات قيمة للحصول على الكتب الورقية، ومن خلالها لدى محبي القراءة فرصة للوقوف على تطوير ذاتهم، وتصقيل موهبتهم. فليحاول كل منا أن يمر -ولو مرة- بهذا المعرض، ويقتني حظه من الكتب، بنية صادقة أنه سيقرأ بالتأكيد ما يشتريه، ولا يجعلها موضوعة في الرفوف، تنظر إلى مشتريها نظرة حزن ودمع.