تعيش الكرة السعودية بكل تفاصيلها في بيت كل سعودي تقريبا من خلال انتماء كل فرد من أفرادها لفريق مشترك أو مختلف، مما قد يولد منافسة عالية وزيادة نسبة ولاء كل مشجع لفريقه، حيث إن الرياضة بشكل عام تحظى بجماهير كبيرة ومتحمسة، فكيف لو كانت هذه الرياضة هي كرة القدم التي تعتبر الأكثر شعبية وجماهيرية على مستوى العالم، مما قد يجعل النتائج عكسية لدى البعض ممن فقد السيطرة على مشاعره وتجاوز الضوابط الأخلاقية في التشجيع والولاء ليدخل في دائرة التعصب الرياضي الذي يرمي إلى مخرجات أبعد ما تكون عن الهدف الأساسي من هذه الرياضة. عوامل عدة ساهمت في تأجج هذا التعصب ولا ننسى أن هذا الأمر ليس بالجديد، فالطفل السعودي عندما يولد يبدأ أحد الأبوين في بعض الأسر بتوجيهه معنويا لناديه المفضل، ليشرب كأس حب هذا النادي وتتحول صفحته البيضاء تدريجيا وفي وقت مبكر إلى ألوان ذلك النادي من خلال المتابعات المستمرة والتشجيع المفرط الذي يدخل في خانة المقارنات بين الأندية ويساهم بشكل كبير في تشكيل حياته من خلال التحكم بمشاعره والتأثر البالغ الذي يعتريه عند الخسارة، ونشاهد الكثير من الفيديوهات التي يتم فيها تصوير الأطفال وهم يبكون على خسارة ناديهم ويشتمون بأبشع الألفاظ التي تهدد سلوكهم في المستقبل، فالطفل في هذه المرحلة كالعجين يُشكل وفق المناخ الذي يوضع فيه فكيف سيكون الحال لو كان هذا المناخ رياضيا متعصبا من الدرجة الأولى!. لقد تغيرت فلسفة المنافسة في كرة القدم لدى البعض لتخرج من باب التسلية وتقبل النتيجة، إلى صراع محموم لا ينتهي بنهاية المباراة بل يتحول إلى عداء وتهكمات لا تنتهي قد تؤدي إلى قطيعة أو حتى حوادث لا يحمد عقباها، والمشكلة أننا هنا نتحدث عن أشخاص بالغين عاقلين من المفترض أن يكونوا أكثر قدرة على ضبط مشاعرهم وتوخي الحذر من الانزلاق في هذا الوحل الذي يلوث كل من وقع فيه، فالأمر لا يتعدى كونه لعبة كرة قدم تحمل من التسلية الكثير ويحمل مشاهدوها مثل ذلك من الحب لأنديتهم المشاركة والتمنيات بالتوفيق. الثقافة الرياضية لا تنحصر على معرفة أنواع الرياضات وأسماء اللاعبين وعدد مرات الفوز والخسارة، بل تمتد إلى إظهار الثقافة الأخلاقية من خلال الروح الرياضية التي تتقبل أي نتيجة وتطمح لأن يكون فريقها أفضل في المرات القادمة، وليس كما نشاهد الآن من «ملاسنات» وتأجيج للرأي العام الرياضي، وللأسف تساعد بعض وسائل الإعلام على ذلك وكذلك «بعض الأشخاص» فهناك من يستمتع بهذا التراشق بين جماهير الأندية ويزيد من شرارة النار كلما هدأت، كفانا الله إياهم وأشغلهم بما يفيد الرياضة فلا دعاء لهم أفضل من ذلك.