في يوم الإثنين (1 أبريل 2019). استيقظت في الرابعة والنصف فجرا، في جو بارد، حيث عناق تضاريس البيئة والسحاب يتجلى في أسمى معانيه. انطلقت من قريتي (الطلقية)، بسيارتي ذات الدفع الرباعي، إلى رأس طريق عقبة (حزنة)، معتمدا على توجيه خرائط جوجل. وصلت الساعة السادسة صباحا. وجهت رسالة إلى رفيق رحلتي (الدكتور أحمد قشاش). قلت فيها: (صباح الخير. وصلت موقف السيارات أمام المدرسة، بواسطة جوجل. تحياتي). استقبلتني أعداد غفيرة من القرود، توحي بفقر البيئة وعطائها الغذائي. هل طالتها نظرية الندرة لآدم سميث؟ في رأس العقبة تم بناء مدرسة للبنات في موقع يطل على تهامة. فكان أول تساؤل: هل هو المكان المناسب للمدرسة؟ وقد رأيتها في وضع يشبه القفص، حيث القرود خارجه والطالبات بداخله. في قمة العقبة هناك ساحة لموقف السيارات، يطل على مشاهد تضاريس انحداراتها الاستثنائية. منظر مهيب يوحي ويقول. كان الاتفاق أن أقف بسيارتي في هذه الساحة، ثم نستقل سيارة أخرى. وصلت مبكرا وبقيت بداخلها، منتظرا هجوما مباغتا من القرود. تبدد الخوف مع ظهور عامل نظافة يتحرك في المكان فجأة. لا أعرف كيف ظهر أمامي. اتصلت ب(الدكتور قشاش) قبل وصوله، وشرحت قلقي على ترك سيارتي طوال اليوم في هذه الساحة. تفهم طلبي. وجَّه بالتحرك إلى منزله في قرية (حزنة)، وأرسل موقع البيت. استقبلني بشوق الأصدقاء. ركبنا سيارته ذات الدفع الرباعي. تحركنا إلى وجهتنا نزولا، عبر طريق متعرج وضيق العرض. أصبحت بوظيفة راصد التضاريس، وتعرجات الطريق، وانحداراته الخطيرة. رجوت الله أن يظل رفيق رحلتي في يقظة دائمة، خوفا ورهبة. في منتصف العقبة قدم مستضيفي المفاجأة الأولى. أشار إلى بيوت حجرية مهجورة في منتصف العقبة. قال: كنت أقوم برحلة يومية مشيا على الأقدام، طفلا أحمل شنطة الكتب من قريتي تلك، إلى مدرسة قرية (حزنة) في أعلى قمة العقبة، ثم أهبط مرة أخرى بعد انتهاء اليوم الدراسي. أصبحت القرية مهجورة. رأيت في اختيار موقع قريته التاريخية، حسا أمنيا ومناخيا. موقعها معتدل بين برودة السراة الشديدة، وقيظ حرارة سهول تهامة. في الطريق سألته إلى أين نحن متجهون، فأجاب إلى مزرعته، في محافظة المخواة. الحديث في الطريق أخذ أبعادا بيئية، وجغرافية، وتاريخية، وتراثية. هذا عزز من كفاءة رصدي وقراءتي للمشاهد البيئية. شكلت أسئلة استراتيجية مهمة لتاريخ بيئة جنوب غرب المملكة. حيث كانت مسرحا لحياة، غيَّب التاريخ حقائقها. وكانت مهدا للحضارة البشرية، بأكثر من أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وفقا لكتاب (قصة الحضارة)، وكتاب (نشأة البشرية)، وأيضا لكتاب رفيق رحلتي، الدكتور قشاش، بعنوان: (أبحاث في التاريخ الجغرافي للقرآن والتوراة ولهجات أهل السَّراة). وصلنا أسفل العقبة حيث استقبلنا المناخ الحار. تجاوزنا مدينة (المخواة). لم ألق بالا لتوسعاتها العمرانية. فذلك أمر عادي في كل مناطق مملكتنا أعزها الله. فجأة انحرف بسيارته عبر طريق جانبي، ترابي ومتعرج. طريق لا يختلف عن طرق عرفتها في ستينيات القرن الماضي الميلادي. قرأت معاناة مرتاديه. يأخذك الطريق إلى قرية (الحشف) بوادي (المُلُح)، تابعة لبلدية محافظة المخواة، حيث تقع المزرعة. تساءلت عن غياب الإسفلت عن هذه القرية الريفية، في حضور الكهرباء وخطوط الاتصال التلفوني. تناقض زاد من همي لرؤيتي طريق قرية مهملا، يبحث عن الاهتمام أسوة ببقية طرق قرى منطقة الباحة التي أعرف. وصلنا سور المزرعة. دخلت فلم أجد أي مزرعة. وجدت مسرحا لقصة حياة شغوفة بكل صنوف التحديات. ويستمر الحديث.