ليس حلما أن يعطى المتعلم صلاحية أن يقيم تعلمه بنفسه، فثمة تحولات جوهرية في الفكر التربوي الحديث فيما يتعلق بضرورة إخراج التقويم عن مفهومه التقليدي، وكيفية انتقال بعض الصلاحيات فيه من المعلم إلى الطالب. فبدلا من غياب دور الطالب في تقويم أعماله، وإصدار أحكام حول أدائه، أصبح من الضروري أن يساعد المعلم طلبته على تنمية ثقتهم في تقويم تعلمهم، في بعض الأنشطة التعليمية التي يقومون بها، فيما يمكن أن نطلق عليه التقويم النشط. وتتجه الإستراتيجيات الحديثة في التقويم التربوي إلى إدراج طرق جديدة تمكن المتعلمين من تقييم تعلمهم ومنها إستراتيجية مراجعة الذات Reflection Assessment Strategy وهي تعني تحويل الخبرة السابقة إلى تعلم بتقييم ما تعلمه الطالب بهدف التحكم وفهم الخبرات اللاحقة. والتقويم الذاتي يستخدم لأنه يمكن أن يزيد دافعية الطالب، وثقته بنفسه، وإحساسه بامتلاك مقدرات تعلمه، ويوفر الوقت الذي يستغرقه المعلم في تقويم طلبته وتقرير النتائج، كما يمكن أن يثري المناهج وبخاصة في الجوانب الوجدانية، وييسر التعلم المستقل. وتوفر إستراتيجية مراجعة الذات فرصة للمتعلم لتطوير المهارات فوق المعرفية، والتفكير الناقد، ومهارة حل المشكلات، وتساعد المتعلمين في تشخيص نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم وتحديد حاجاتهم، وتعد إستراتيجية مراجعة الذات مكونا أساسيا للتعلم الذاتي الفعال، والتعلم المستمر ومفتاحا لإظهار مستوى النمو المعرفي للمتعلم. ومن الأنشطة التي تندرج في إستراتيجية مراجعة الذات: * تقويم الذات Self Assessment وهو نشاط ذاتي مخطط له وموجه بهدف يتأمل فيه المتعلم أداءه بنفسه ويحلله ويصدر حكما عليه بالاعتماد على معايير واضحة، ومن ثم يضع الخطط لتحسين وتطوير الأداء بالتعاون المتبادل بينه وبين معلمه. ويحقق تقويم الذات التكامل بين المعرفة، والقدرة على صياغة المعايير للحكم على الأداء من خلال قائمة المراجعة والتقدير الذاتي self checklist وهي أداة جيدة ونافعة في مساعدة المتعلمين على تقويم أعمالهم وإنجازهم، ويمكن للمعلم والطلاب التعاون والمشاركة في تطوير قوائم المراجعة والتقدير الذاتي في ضوء الأهداف والغايات، ثم يقوم المتعلم نفسه بوضع إشارة (√) لتحديد مدى تحقق محكات الأداء أم لا. * تقويم الأقران Peers ويتضمن قيام كل متعلم بتقويم أعمال أقرانه بصورة منظمة هادفة، في ضوء محكات الأداء لتحسين التعلم وتجويده. ويتم ذلك في جلسة نقاشية أو ندوة يقدم الأقران آراءهم وأفكارهم، وفي هذا تغذية راجعة للمتعلم لمراجعة أعماله. * يوميات الطالب Journal وهي مذكرات يومية يكتبها المتعلم تتضمن خواطره حول نشاط تعليمي شارك فيه ويعبر فيه عن أشياء قرأها، أو شاهدها، أو سمعها. * ملف الطالب Student Portfolio هو ملف يتضمن نماذج من أفضل أعمال الطالب وإنجازاته يتم انتقاؤها بعناية لتظهر مدى تقدمه في النتاجات المرغوب تحقيقها عبر الوقت، فالملف يظهر نقاط قوته والنقاط التي تحتاج إلى تحسين، ومن محتويات هذا الملف حلول أسئلة، مقالات، تعليقات، قصاصات، رسومات، تقويم، إبداء رأي، بحث، مشروع، استقصاء، إبداعات أخرى. ونتيجة للتقدم في تقنية المعلومات والاتصالات، وحركة التطوير التربوي نحو حوسبة المناهج، ظهرت أجيال جديدة من ملف أعمال الطالب الإلكتروني Electronic Student Portfolio، ويتميز بسهولة الاتصال بين المعلم والطالب والطلاب أنفسهم، والحصول على المعرفة وتبادلها، وبناء مجموعات العمل والممارسة community practice. إن تقويم الذات أداة رائعة لنمو النفس ونضجها، والثقافة الإسلامية حافلة بدعوة الفرد إلى تقويم نفسه ومحاسبة ذاته بذاته لأنه أبصر بها، «بلِ الإِنسانُ على نفسِهِ بصِيرة» (القيامة: 14)، ودعانا القرآن الكريم إلى إلقاء نظرة فاحصة لما قدمنا من عمل فقال الله تعالى: «ولتنظُر نفس ما قدمت لِغدٍ» (الحشر: 18).