من يتابع مسيرة التعليم في المملكة والتغيرات المستمرة التي تشهدها يدرك الجهود التي بذلت وما زالت لتحقيق مستويات أعلى ومخرجات أفضل على كافة المستويات، بداية من التطور الكمي في مؤسسات التعليم وانتشارها في أنحاء البلاد حتى عم وجودها المملكة من أقصاها إلى أقصاها، فلا تخلو قرية أو هجرة أو تجمع سكاني من وجود مدارس التعليم، كما لا تخلو محافظة من جامعة أو فرع لجامعة سواء للبنين أو البنات إلى جانب إحلال المواطنين السعوديين من المعلمين والمعلمات محل غير السعوديين بشكل كامل في المدارس الحكومية للبنين والبنات ونسبة كبيرة من التخصصات في مدارس التعليم الأهلي التي توجت أخيرا بسعودة الوظائف الإدارية والإشرافية (وكيل المدرسة والمرشد الطلابي ومشرف النشاط ومعلم المصادر)، وكذلك تغيير المقررات أكثر من مرة بحثا عن أفضلها في تحقيق أهداف المنهج المدرسي، وما وصلت إليه الجامعات السعودية حيث احتل العديد منها مراكز متقدمة في تصنيف الجامعات عالميا وعربيا. ومع ذلك فليس مستغربا أن يتضمن تقرير وزارة التعليم الذي رفع مؤخرا لمقام خادم الحرمين الشريفين عددا من الملفات، من أهمها المعوقات والصعوبات التي يواجهها هذا القطاع المؤثر في تحقيق رؤية المملكة 2030، ولا يستغرب أيضا أن يهتم مجلس الشورى بدراسة هذا التقرير، لا سيما وأن المجلس يضم الخيرة من أبناء الوطن من أصحاب الرؤية والخبرة والتجربة في كافة المجالات، وفي مقدمتها مجال التعليم، حيث طالب المجلس بعد مناقشة التقرير بالعديد من الإجراءات الكفيلة بتحقيق الآمال والتطلعات المعقودة على الدور الرئيس للتعليم في صناعة مستقبل الوطن وبناء أجياله، حيث طالب المجلس بإعادة النظر في إستراتيجية التعليم، ودعم المعلم، وإعداد برنامج وطني لرفع معنويات المعلمين والمعلمات، وتعزيز انتمائهم للمهنة، والتوسع في المنح الداخلية للملتحقين بالتعليم العالي الأهلي، ورفع المعايير الخاصة بالتعاقد مع أعضاء هيئة التدريس غير السعوديين في الجامعات، كما أن المجلس أبدى ملاحظات وصوت على قرارات من أجل معالجتها، من بينها عدم الرضا عن أداء الوزارة الذي يرى المجلس أنه يحتاج إلى التركيز على الأولويات وجودة البرامج والمبادرات والعمل المنظومي الذي يأخذ بالاعتبار الانسجام بين جميع العوامل البشرية والبيئية والعلمية، كما لاحظ المجلس مدى تناغم إجراءات الوزارة وبرامجها مع برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030 ومدى قيامها بما هو كفيل بتحقيق رسالتها المتمثلة في توفير فرص التعليم للجميع في بيئة تعليمية مناسبة على ضوء سياسة التعليم في المملكة، وزيادة فعالية البحث العلمي، كما انتقد المجلس أيضا استمرار الوزارة في استحداث برامج ومبادرات دون التحقق من القيمة المضافة لهذه البرامج والمبادرات، إضافة إلى مطالبته بأن تقوم الوزارة بإجراءات أكثر تأثيرا لمحاربة التطرف والفكر الضال. ومن المؤكد أن ملاحظات مجلس الشورى والنقد الذي وجهه لعمل الوزارة في المرحلة الماضية هو ملف سيكون في مقدمة اهتمامات وزير التعليم د. حمد آل الشيخ، ومن المؤكد أيضا أن الوزير الذي عرف وزارة التعليم من خلال عمله بها في فترات سابقة يدرك أهمية هذه الملاحظات، بل ويضيف عليها كثيرا من الطموحات لمستقبل أفضل، ودور أكثر تأثيرا للتعليم مستقبلا، كما أن ما يلقاه التعليم من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين سيكون بعد عون الله تعالى عونا له في تحقيق هذه التطلعات، خاصة وأن ميزانية التعليم التي أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- هذا العام هي الأعلى منذ تأسيس المملكة حيث بلغت 193 مليارا أي ما يعادل 17% من ميزانية المملكة، مما يعزز الآمال في خطوات أكثر طموحا -إن شاء الله-.