الجميع يقسم بأمانته، ويثق تمامًا في نزاهته، بمن فيهم رجال الشرطة والمكلفون بمراقبته، إلا أنه لا أحد يستطيع فك قيده وإطلاق سراحه، أو تحريره من أسره الذي قد يمتد لعدة سنوات ! (ق، ل) شخص علق في شباك المساءلة القانونية، ليس لأنه شخص سيئ، أو لأنه ألحق ضررًا بأشخاص آخرين، وإنما كل ما قام به هو تصرف غير حكيم ناتج عن جهله بالقانون. بدأت الحكاية ل(ق، ل) رجل الأعمال الشريف، طيب السمعة، صاحب المكانة المرموقة في مجتمعه.. حين كان -في ذلك اليوم- متأهبًا للسفر، ولكنه تذكر عددًا من الصفقات التي كان يجب عليه إتمامها، فقام بالتوقيع على شيك على بياض، وسلمه إلى محاسبه الخاص بكل اطمئنان، فقد كان يظن أن حسابه الشخصي لا يحوي رصيدًا أكثر من 50000 ريال، إلا أنه فيما بعد اكتشف أن محاسبه قد وضع مبلغًا ضخمًا جدًا يتجاوز إمكانياته. طالب الدائن بالدين أمام القضاء، ولم يكن في حوزة (ق، ل) ذلك المبلغ، فسجن استنادًا إلى المادة (118) من «نظام الأوراق التجارية» مع مراعاة ما تقتضي به الأنظمة الأخرى، والتي تنص على: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أقدم بسوء نية على ارتكاب أحد الأفعال الآتية: أ - إذا سحب شيكًا لا يكون له مقابل وفاء قائم وقابل للسحب أو يكون له مقابل وفاء أقل من قيمة الشيك...» تعذر (ق، ل) بجهله إلا أن القاضي لم يرد أي اعتبار لدفعه لأن «الجهل بالقانون لا يعتبر عذرًا». «الجهل بالقانون لا يعتبر عذرًا» مبدأ وُضع لتحقيق غايات لازمة، لاستقرار الأمن العام في المجتمع؛ فالقاعدة القانونية القائمة يجب أن تطبَّق في حق جميع المخاطبين بها سواء علموا بها أم لم يعلموا، فطالما صدرت قاعدة قانونية مستوفية لشروط وجودها ونفاذها، فلا يعذر الجاهل بجهله، ولا يقبل من أي كان الاعتذار بخرق الأنظمة، وانتهاك حرمات الأفراد بحجة جهله بالأنظمة -خاصة مع الخدمات التي أتاحتها الدولة- حيث إنه تم توفير إمكانية تصفح الأنظمة بكل أريحية عن طريق موقع هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، وعلى ذلك أقام القضاء قرينة قاطعة لا يجوز إثبات عكسها إلا في أحوال ضيقة، تفترض علم الناس كافة بالقواعد القانونية القائمة في الدولة، فمن يخالف قاعدة قانونية يتحمل نتائج تقاعسه عن معرفة الأنظمة والقوانين المرعية. ختامًا، نشير إلى أن للجهل بالقانون آثارًا جسيمة، نكاد أن ندفع ثمنها من أعمارنا، فنسلب أنفسنا متعة التلذذ بنجاح أملنا، ونرى أوقاتنا المبذولة على أعمال وإنجازات وكأنها لم تكن، كم سمعنا عن انتهاكات لأنظمة لم يكن لصاحبها علم بتجريمها، وعلى ذلك، فإن العلم والإحاطة بمبادئ القانون والقواعد الشرعية الأساسية والقواعد التي تخص الشخص نظرًا لطبيعة عمله، لم يعد أمرًا تكميليًا، بل هو أمر ضروري لحياة كريمة ومستقبل آمن بإذن الله.