عدّ فقهاء القانون أن كثرة سَن القوانين تؤدي إلى موتها، وأيضا اللوائح التنفيذية البعيدة عن ملامسة حيثيات القاعدة القانونية، تُضعف القاعدة القانونية الضرورية التي تسيّر حياة الأفراد والمؤسسات. وفي ظل ما تنتجه الجهات التنفيذية من كثرة تعليمات وقواعد إجرائية، يجعل المنظومة القانونية في أي دولة غير معلومة من المكلفين وصعبة الفهم. مع تطور المجتمعات بتنوع أساليب الحياة وتغيّرها، فرض على الدول مواكبة هذا التطور والتشعب، وفق إرساء قواعد قانونية جديدة تضبطه وتنظمه، أو تعديل بعض القواعد القانونية لمسايرة المستجدات، مما يجعلنا أمام كمّ هائل من القوانين واللوائح التنفيذية وغير المستقرة، والتي وقعت في مشكلة سوء الصياغة التشريعية من الأساس لبعضها. هذا الكمّ الكبير من القواعد الآمرة والمكملة والمفسرة والمعدل بعضها، يجعل من مبدأ لا يعذر أحد بجهل القانون غير ممكن ومستحيل. فبناءً على هذا المبدأ يفترض أن على كل شخص معرفة مجموع القواعد القانونية سارية المفعول، وعلى دراية تامة بها وبلوائحها. والحقيقة أن هذا المبدأ الذي قرره الفقهاء، قريب للوهم والخيال، مع كثرة سنّ القوانين وعدم استقرارها، أو كثرة تعديلها بين الحين والآخر في أي منظومة قانونية كانت، لأن من المتوقع أن المكلف أو المتلقي للقواعد القانونية على المثال السابق، سيكون جاهلا بها، فليس بإمكان الأشخاص أن يدركوا القانون الجديد أو النظام الذي لم تستقر قواعده القانونية، ولو على القليل عقدين من الزمن!. وحتى نقترب من هذا المبدأ ونخرجه عن دائرة ما أراه اليوم وَهْما، لا بد من مراجعة المنظومة القانونية، وإحكام الصياغة التشريعية وتبسيطها، وتسهيلها وتوضيحها، وإلغاء ما هو حشو منها لا فائدة له في الحياة الواقعية، ومقارنة اتساق القاعدة القانونية ولوائحها التنفيذية، حتى يقل التدخل عن طريق تعديل القاعدة القانونية إلا عند الضرورة، لأن الصياغة التشريعية من المسائل الضرورية التي يجب أن تهتم بها الدولة لإنشاء قواعد قانونية سليمة مستقرة سهلة الفهم لكل المتعاملين معها. وما نلفت الانتباه إليه، أنه في الواقع بعض الأنظمة لا يستطيع التعامل معها وفك رموزها سوى أهل الاختصاص من رجال القانون، كالقضاة والمحامين وغيرهم من المختصين في القانون، بينما يفترض أن القاعدة القانونية تخاطب الجميع، فيجب أن تكون معلومة من جميع الأشخاص الذين تسري عليهم القاعدة القانونية، بمعنى يفترض سهولة صياغتها لتفهم من الجميع، وحتى يتحقق العلم بها وتصبح نافذة في تسيير حياة المجتمع. كما أن النص القانوني يتطلب تأنّيا وتأملا وفنا في صياغته، حتى يولد عندنا في المنظومة القانونية قاعدة قانونية جامعة مانعة، لا يتطرق إليها التعديل إلا بعد ردح من الزمن، أو لا يضطر المنظم إلى تعديلها من الأساس لمواكبتها كل المستجدات والنوازل الحادثة. أعتقد أننا بحاجة إلى التأمل في إحكام الصياغة التشريعية للأنظمة، حتى يدركها المكلف ويفهم آلية العمل بها، وتستقر عندنا القاعدة القانونية.