ما أعرفه أن مكتبة الملك فهد الوطنية كانت قد تبنت توثيق تاريخنا بشكل تفصيلي، أتحدث عن التاريخ الحديث، ومن خلال لقاءات مباشرة وتسجيلات توثيقية بالصوت والصورة، حيث نشط حينها الأستاذ يحيى بن محمود بن جنيد الأمين العام السابق لمكتبة الملك فهد الوطنية، والأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي في هذه المهمة. كذلك فعلت دارة الملك عبدالعزيز في حدود علمي، لكن تبقى هنالك بعض الأحداث والروايات خاصة ما يتصل بمشاركة أبناء هذه الأرض في معارك النضال من أجل تحرير فلسطين. وهو الجانب الذي نحتاج فعلا إلى تسليط الضوء عليه لأن دعمنا لهذه القضية منذ قيامها في 1948م لم يكن مقصورا على المال، أو الموقف السياسي، وإنما هنالك دماء من أبناء بلادنا أريقت في هذا السبيل. على سبيل المثال، ومما أعتقد أنه خارج تغطية التوثيق، لأنني أسمعه للمرة الأولى هنالك تسجيل قديم نوعا ما لمواطن سعودي اسمه غريب الشمري موجود ومتداول على وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث فيه عن تجربته العسكرية في الجيش العربي إبان الصراع العربي الإسرائيلي وفي منطقة الخليل بالذات، و"بيت صريم" على وجه التحديد إن كنت سمعت الاسم بشكل صحيح، حيث كانت هنالك هدنة بين الطرفين إلا أنه فوجئ بتسلل عدد من الجنود الإسرائيليين أثناء مناوبته في الحراسة جهة معسكره، مما دفعه لإطلاق النار عليهم وقتل ثمانية مجندين، في قصة تكاد تكون نسخة طبق الأصل من قصة الجندي المصري البطل سليمان خاطر، والتي حدثت في الخامس من أكتوبر عام 1985م عندما قتل سبعة جنود إسرائيليين كانوا قد تسللوا أثناء وجوده في نقطة الحراسة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وهي القصة التي طار بها الركبان كما يقول المثل، في حين أن قصة غريب الشمري هذه لم يسمع بها إلا القليل، وهو الذي حكم عليه من قبل رئيسه في الفرقة العسكرية بالسجن 14 يوما مع تغريمه قيمة ثلاثين طلقة من ذخيرة الرشاش، لأنه اخترق شروط الهدنة. ومن الواضح أن قصة غريب قد سبقت قصة خاطر؛ لأن التسجيل يتحدث عن الجيش العربي، وربما كان هذا هو سر عدم وضوحها، لكنها في المجمل صورة حية ومهمة من صور مساهمات أبناء هذا الوطن في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، ومقاومة المحتل، وهو ما نحتاج إلى توثيقه لأن هنالك من يصرّ على أن يزايد علينا وعلى شعبنا في مواقفنا تجاه قضية العرب المركزية، حيث قدّم مواطنونا ملاحم خالدة في سبيلها ربما ظلّتْ طي الكتمان، فقط لأنهم لم يتاجروا بها.