لا أحد يعرف كم من الخيال استخدم الأدباء والروائيون الإسرائيليون الذين تناولوا في أعمالهم الروائية المختلفة الحروب العربية - الإسرائيلية وكم من الحقائق، لذا كان علينا، وربما عليهم أيضاً، الانتظار سنوات طويلة لنعرف أن "جزئية" تاريخية مثل قيام بعض الجنود الإسرائيليين بقتل أسراهم العرب في الحروب العربية - الإسرائيلية التي وقعت، كانت حقيقة ولم تكن خيالاً. كانت وقائع حدثت حقاً ولم تكن "احتمالاً" يأخذ تبريره من السياق الواقعي أو التاريخي للرواية. غير أن ما كشفه الجنرالات الإسرائيليون أخيراً حول عمليات القتل هذه لم يكن أكثر من إعادة صياغة لما تناوله أدباء إسرائيليون في كتاباتهم القصصية والروائية، وذلك في واحدة من الأمثلة النادرة التي تعاد فيها صياغة الواقعة التاريخية على غرار الرواية الأدبية. إذ من المعروف أن العكس هو ما يحدث عادة، أي أن الرواية الأدبية هي التي تصاغ على مثال الواقعة التاريخية. وربما كانت الرواية القصيرة التي حملت عنوان "مباراة في السباحة" التي كتبها الروائي الإسرائيلي بنيامين تموز في أوائل الخمسينات عن الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى في العام 1948، أي قبل أن تتحول تلك الحرب إلى تاريخ، هي الأولى التي يتناول فيها روائي إسرائيلي قضية قتل الأسرى من خصومهم العرب. كان الروائي المخضرم يزهار سميلانسكي كتب روايته "الأسير" في العام 1948 ونشرها في العام التالي. وتتحدث الرواية عن مجموعة من الجنود الإسرائيليين "تأسر" راعياً فلسطينياً تجده في طريقها وهي ماضية لاحتلال قرية فلسطينية يدافع عنها جنود مصريون. يعصب الإسرائيليون عيني الراعي ويقودونه إلى التحقيق، حيث يمارس الجنود عليه شتى أنواع الإهانة والإذلال في لحظة نشوة زائفة تعربد فيها قوة مطلقة من عقالها على راع لا حول له ولا قدرة حتى على فهم ما يجري له ومن حوله، فلا يلفظ غير جملة يرددها طوال فترة اعتقاله والتنكيل به "فيه سيجارة؟". ويستفز هذا المشهد الشاذ الراوي الذي يغرق في تداعيات تشكّل عماد الرواية، حول مفاهيم القوة والضعف، الإقدام والتردد، البطولة والإجرام، الشجاعة والجبن والنصر والهزيمة، تدور كلها حول ما يجري ولكن ليس في صلبه. ففي صلب ذلك المشهد تكمن بذور سلوك إجرامي يجرد الجنود من أي بطولة ويحولهم إلى عصابة من قاطعي الطرق. فقائد المجموعة يقرر منذ البداية ألا يعود خالي الوفاض "يجب أن نقبض على أحد الرعيان، أو على الأقل على واحد من أبنائهم، أو ربما على عدد منهم، يجب أن نقوم بعمل ما أو نحرق شيئاً ما". بهذه الروح المتحفزة يبدأ الجنود سيرهم، وبهذه الفكرة المسيطرة يمضي بهم قائدهم، فيكون لهم ما أرادوا، يأسرون الراعي وينكلون به فيما الراوي غارق في تداعياته التي لا تغني عن الأسير شيئاً. وفي روايته الشهيرة "خربة خزعة" يتناول سيميلانسكي جانباً آخر من جوانب تعامل الجنود الإسرائيليين مع أسراهم، إذ تقتحم مجموعة أخرى لا تقل شراسة وعربدة عن تلك التي شاهدناها في "الأسير" قرية معزولة في جنوبفلسطين، ويبدأ أفرادها في إخراج سكان القرية البسطاء، الذين لا يكادون يدركون ما يجري حولهم، من منازلهم، وجمعهم في شاحنات تأخذهم إلى خلف الحدود الجديدة للدولة الجديدة، لتقذف الشاحنات حمولتها البشرية هناك. وعلى إيقاع سير الشاحنات المبتعدة يبدأ الجنود في تدمير القرية الخالية مدفوعين بشراسة يزيد من ضراوتها خلو أفراد المجموعة من أي وازع إنساني أو أخلاقي. في هاتين الروايتين القصيرتين يرسم يزهار سيميلانسكي صورتين للقوة العسكرية الإسرائيلية المجردة من أي فضيلة في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين في الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى، وهي صورة قاتمة بالمعايير الأخلاقية والإنسانية، وما هو أهم من ذلك أنهما صورتان مأخوذتان من السجل الحقيقي للحرب، أي تنتميان إلى الحقيقة باعتبارها من مكونات العمل الإبداعي أكثر من انتمائها الى الخيال الذي لا يقوم العمل الإبداعي من دونه. وصورة الأسير الفلسطيني الذي يتعرض لانتهاك فظ لإنسانيته على أيدي الجنود الإسرائيليين شائعة ومعروفة، ذكرتها المصادر التاريخية مثلما تناولتها الأعمال الأدبية. غير أن ما فعله يزهار سيميلانسكي في "خربة خزعة"، هو التوسع في تصوير الاستهتار وفي القدرة على التنكيل والإهانة. ففي هذه الرواية يتحول فيها "الأسير" من راع يطوف الجبال مع غنمه، إلى سكان قرية بأكملها. والجنود المنتصرون هنا لا يتوقفون عند التنكيل بهؤلاء الأسرى، بل يرحلونهم عن وطنهم في شاحنات مثل قطعان من البهائم، وهي خطوة أبعد من مجرد التنكيل والإذلال. وبتتبعه لتلك الخطوة فإن سيميلانسكي يمضي بعيداً في كشف حقيقة الطريق الذي سلكه الجنود الإسرائيليون نحو منحدر أخلاقي سنكتشف في ما بعد أنه بلا قرار، حين سمحوا لأنفسهم بإذلال الراعي الأسير. فالخطوة التالية لمن أقدم على مثل هذه الممارسات ضد أسير أعزل يرعى غنمه في الجبال هي "ترحيل" الأسرى إلى ما وراء الحدود، وهو ما لم يتردد الجنود المأخوذين بنشوة النصر في القيام به فور وصولهم إلى القرية. لكن تلك ليست آخر الخطوات في هذا السبيل المشين. آخر الخطوات هي قتل الأسرى. وإن كان سيميلانسكي قد توقف عند تصوير ترحيل الأسرى في شاحنات إلى ما وراء الحدود، فإن هناك من الروائيين الإسرائيليين من تتبع الجنود الإسرائيليين في سلوكهم ذلك المنحدر الأخلاقي فصور قتلهم لأسراهم، وإن كان المؤرخون الجدد قد أكدوا حدوث عملية الترحيل، ما يعني أن هذا العمل ينتمي إلى الحقيقة وليس إلى الخيال، فإن جنرالات إسرائيل المتقاعدين هم الذين كشفوا بعد عقود أن عملية قتل الأسرى تنتمي أيضاً إلى الحقيقة وليس إلى الخيال كما ذكرنا. تتناول رواية "مباراة في السباحة" لبنيامين تموز قصة مواجهة مسلحة بين مجموعتين عربية ويهودية في واحدة من المعارك التي اشتبكت فيها القوات الصهيونية مع قوات فلسطينية تدافع عن أرضها خلال حرب العام 1948. لكن هذه المعركة ليست مثل غيرها من المعارك، فبعد أن ينجلي غبار المعركة عن هزيمة المجموعة العربية، يكتشف الراوي الذي يقاتل في جانب القوات الصهيونية، أن عبد الكريم، "صديقه" الفلسطيني القديم وقع أسيراً في نهاية تلك المعركة، فقد كان عبد الكريم يقاتل في الجانب الآخر من الخندق. لكن الراوي يخبرنا أن المواجهة في ساحة المعركة لم تكن سوى واحدة في سلسلة مواجهات بين الاثنين، فهما يعرفان بعضهما بعضاً منذ الطفولة، حين كان الراوي وعائلته وصلوا إلى فلسطين من "خارج البلاد". وفي طفولتهما تلك تواجه الاثنان اكثر من مرة في مباريات في العلم وفي الذكاء وفي المهارات الأخرى، ومنها مباراة في السباحة كان الاثنان يتنافسان فيها في البركة التي تتوسط منزل عبد الكريم. وفي كل مرة كان عبد الكريم هو الرابح. غير أن المواجهة الآن عسكرية. والمنتصر هو المجموعة الصهيونية التي تضم في صفوفها الراوي. والأسير هو عبد الكريم، أما ساحة المعركة فلم تكن سوى بيت عبد الكريم الذي يحتوي بركة السباحة، هي نفسها التي كان الاثنان يتسابقان فيها. بعد انتهاء المعركة يتواجه الراوي وعبد الكريم ويطلب الأول من الثاني أن يتسابقا في السباحة الآن، ويوافق عبد الكريم بعد أن يقول "أنتم المنتصرون، وعندما تأمر سنمتثل". ولكن قبل أن تبدأ المسابقة، تكون رصاصة قد انطلقت "خطأ" من أحد الشبان في مجموعة الراوي، وقتلت الأسير الفلسطيني عبد الكريم. كانت تلك القصة التي كتبها بنيامين تموز في مطلع الخمسينات أول قصة تتحدث عن مقتل أسير عربي على يدي جندي إسرائيلي. لكن عملية القتل جاءت هنا من طريق الخطأ، "لقد أفلتت مني رصاصة" يقول أحد الشبان في المجموعة الصهيونية، لكن شيئاً لا يترتب على هذا الاعتراف الصريح، وعلى رغم "الصداقة" التي كانت تجمع بين الراوي وعبد الكريم فإن الأخير لا يحصل من صديقه على أكثر من نظرة على جسده المسجى، وعلى وجهه الذي لا تبدو عليه سيماء الهزيمة كما يقول الراوي. غير أن هذه النظرة من "صديق" على جثمان صديقه، والتي أراد لها الروائي ألا تكون محايدة، حملت تعبيراً قليلاً عن الحزن لفقد الصديق مقابل كثير من الفرح للانتصار عليه وعلى مجموعته. أما رد الفعل الأكثر إيحاء فيصدر عن قائد المجموعة الصهيونية المنتصرة، لا يكترث كثيراً لأن الأسير قتل فربما كان ذلك أمراً عادياً في المعارك التي خاضها، المهم لديه هو أن الأسير قتل قبل استجوابه والحصول على معلومات منه: "لقد خسرنا معلومات" يصرخ القائد. المعلومات إذاً هي ما يهم وليس قتل الأسير سواء كان ذلك من طريق الخطأ، أو غير الخطأ، ليست تلك أكثر من تفصيلة لا يتوقف عندها المحاربون، ففي الحرب "يمكنك أن تسمع أصوات طلقات لم يأمر بإطلاقها أحد وأن ترى قتلى لم يأمر بقتلهم أحد" كما يقول الراوي في قصة "حد الرصاصة" للقاص والروائي الإسرائيلي حاييم أورباز، وكأنه بذلك "يتوقع" انطلاقة الرصاصة الخاطئة. غير أن ما حدث مع عبد الكريم من طريق الخطأ في "مباراة في السباحة"، حدث مرة أخرى في القصة المشار إليها لأورباز، وما حدث لأسير أورباز "خطأ" يحدث بناء على أمر "واضح كل الوضوح" من القادة الميدانيين كما في قصة سمير نقاش "الثغرة". في العام 1957 كتب اسحق اورباز "حد الرصاصة"، التي تجري أحداثها أثناء العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956. وتحكي عن لقاء بين جندي في دورية إسرائيلية منطلقة من قرية "خربة جامون" الفلسطينيةالمحتلة منذ العام 1948، إلى قطاع غزة الذي تحتله القوات الإسرائيلية، وبين إبراهيم الجاموني، وهو مواطن فلسطيني لجأ إلى قطاع غزة بعد أن احتل الإسرائيليون قريته، وليست هذه القرية سوى "خربة جامون" نفسها التي تنطلق منها الدورية الإسرائيلية. يحدث اللقاء في كهف اختبأ فيه إبراهيم الجاموني في أثناء عودته متسللاً إلى قريته. يكتشف الراوي وهو جندي إسرائيلي وجود إبراهيم الجاموني في الكهف، فيتأهب بمدفعه الرشاش لقتل إبراهيم الجاموني الذي لا يملك سوى بندقية صدئة، فينهار الأخير ويستلقي على الأرض متوسلاً الجندي الإسرائيلي الإبقاء على حياته، وهذا ما يفعله الراوي الذي يقوده إلى ضابط المخابرات صمواليك، للتحقيق معه. لكنه قبل أن يفعل ذلك يقلب في ذهنه "فكرة" تطرأ له في أثناء استلقاء الأسير على الأرض أمامه. ولم تكن تلك الفكرة سوى قتل الأسير: "ارتعش إصبعي على الزناد حين لمحت فوهة المدفع موجهة إلى ظهره. كان في وسعي أن أقتله بضغطة على الزناد، لكن الرعب تسلل إلى قلبي". إن فكرة قتل الأسير واردة إذاً في ذهن الراوي. لكننا نكتشف بعد قليل أنها موجودة أيضاً في أذهان زملاء له من الجنود الإسرائيليين الآخرين، ففي أثناء قص الراوي لرجل المخابرات حكاية أسره لإبراهيم الجاموني يسمع الإثنان صوت رصاصة: "وفجأة سمعنا صوت طلقة قوية. وابتسم صمواليك. أما أنا فشعرت بالخوف". ثم يدخل الضابط موسيك، والجندي يعنقله، اللذان كانا في الخارج في تلك الأثناء فيسأل صمواليك الضابط موسيك: وأين العربي؟ - ليست هناك مشكلة. لقد نقص عدد العرب واحداً. وسأل صمواليك مرة أخرى: أين العربي؟ - إنه هناك. لقد مات. قال صمواليك محتداً: "اخبرتك أن تحضره هنا لا أن تقتله". - لم أقتله، فبينما كنت أقود الأسير ظهر يعنقله الذي كان يحمل البندقية، وحين شاهده الأسير اقدم على الهرب فأطلق يعنقله النار عليه. هذا كل ما حدث. ولا أعرف وجه المأساة". وربما كان موسيك محقاً في تساؤله عن وجه المأساة في قتل أسير عربي، وهو تساؤل يشير إلى أن قتل الأسرى ممارسة اعتيادية بالنسبة الى القوات الإسرائيلية. لكن موسيك لم يفكر ربما في أن احتداد رجل المخابرات صمواليك لم يكن بسبب قتل الأسير بل لأنه قتله قبل أن يحصل منه على معلومات، وهو السبب نفسه الذي احتد من أجله القائد في "مباراة في السباحة". الدلالة الكبرى هنا هي أن ما فكر فيه الراوي في الكهف وإبراهيم الجاموني ملقى على الأرض أمامه، فعله زميله يعنقله ببرود، واستقبله موسيك باستهتار، ما يشير إلى أن "فكرة" القتل فكرة عامة وليست خاصة، فكرة متأصلة في عقول الجنود الإسرائيليين وليست مقتصرة على الراوي، وإن لم ينفذها شخص فإن آخرين على استعداد لتنفيذها فقتل عربي "ليس مأساة" كما يقول موسيك. وكما في "مباراة في السباحة" حيث ينظر الراوي إلى جسد صديقه القتيل نظرة تعاطف، "يحظى" جثمان إبراهيم الجاموني بنظرة من "صديقه" الذي أسره والذي تبادل معه أحاديث ذات بعد إنساني في أثناء سيرهما إلى ضابط المخابرات صمواليك استعداداً لتسليمه له: "أما أنا فقد كنت أنظر إلى قبر صديقي إبراهيم" يقول الراوي مردداً ما كان قاله الراوي في "مباراة في السباحة". غير أن القتل بطريق "الخطأ" لأسيرين عربيين، والذي يتكرر في قصتين تتحدثان عن حربين مختلفتين، يتم في قصة "الثغرة" للإسرائيلي من أصل عراقي سمير نقاش، بناء على أمر "واضح كل الوضوح". في "الثغرة"، التي تدور أحداثها في سيناء أثناء حرب حزيران يونيو 1967، تأسر دورية إسرائيلية ضابطاً مصرياً يدعى عبدالفتاح طاهر. وخلال أيام قليلة يكلف خلالها جندي إسرائيلي يجيد العربية يدعى صادوق بحراسة الأسير المصري، وخلال فترة الأسر تتكون بين الاثنين علاقة إنسانية تنمو من خلال أحاديث متبادلة بينهما عن الأهل والأبناء وشؤون الحياة. غير أن هذه العلاقة الإنسانية لا تستمر طويلاً، فمع خيوط فجر أحد الأيام يأتي قائد المجموعة الإسرائيلية إلى صادوق ويخبره أن من الواجب التخلص من الأسير في الحال. ويذهل صادوق ويتساءل "ماذا تعني أيها القائد" فيصرخ الآخر بصوت منفعل : "أعتقد أن ما قلته واضح كل الوضوح". لكن صادوق لا يستطيع استيعاب الأمر بعد أن نشأت تلك العلاقة بينه وبين عبدالفتاح فيقول بشيء من العتاب: "لو أن سيدي القائد طلب أن أقتله في الليلة الماضية لاستطعت أن أفعل ذلك بكل سهولة"، فقال القائد وكان قلقه يغلب على نبرته: "في الليلة الماضية لم يكن هناك ما يستوجب قتله، ولكن تطورات خطيرة طرأت منذ البارحة. وأن كثيراً من الأشياء تغير ولا بد والحالة هذه من التخلص منه..". وتداهم صادوق حال من التمزق بين قلبه الذي لا يطاوعه على قتل شخص أصبحت تربطه به صداقة حتى لو كان هذا الشخص أسير حرب، وبين عقله الذي يوجب عليه إطاعة قائده الذي يطالبه بقتل الأسير. وبين هذين النازعين يبدأ صادوق بالتفكير في طريقة يتغلب بها على حيرته، ويفكر في "ثغرة" تنقذه من هذا الموقف المعقد. وتأتي اللحظة حين تبدأ معركة ضارية بين الإسرائيليين والمصريين، والاثنان صادوق وعبدالفتاح، في مرمى نيران الجانبين، ويصاب عبدالفتاح وهو قرب نافذة الغرفة التي كانا فيها. وبينما عبدالفتاح الجريح يقف "منحنياً على النافذة متشنجاً" يقف صادوق "ومن ورائه كانت البندقية ترتفع، ونظر صادوق إلى ذراعيه، لقد كان يرتعد، وكانت فوهة البندقية تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال، وحاول أن يتماسك وشد على أعصابه، ثم أغمض عينيه وصوب… وكان يصوب إلى قلب الثغرة ..". لقد وجد صادوق أخيراً ثغرة تنقذه من قتل أسيره الجريح، والذي ربما كان يحتضر من جراء القذيفة التي أصابته. المهم هنا ليست عملية القتل التي لم تكن "خطأ" كما في "مباراة في السباحة" و "حد الرصاصة"، بل في الأمر "الواضح كل الوضوح" الذي يتلقاه صادوق من قائده بقتل الأسير، وهو ما يجب على الجندي تنفيذه في حال الحرب. وعلى رغم أن صادوق يماطل في تنفيذ الأمر، فإن الأمر الصريح الذي يتلقاه من قائده يجبره على البحث عن ثغرة ينفذ منها، فلا يمضي وقت طويل قبل أن يجد هذه الثغرة ويصوب بندقيته المرتجفة إلى قلبها. إن إذلال الأسرى وقتلهم كما تقول هذه الأعمال الأدبية هو القاعدة، أما الاستثناء فهو التمرد عليها وإدانتها، وإن تم ذلك فمن خلال تداعيات لا تغير من الأمر شيئاً. * كاتب أردني.