يعرف علماء النفس والاجتماع نظرية سلوك القطيع بأنها: اتباع سلوك الجماعة دون التفكير في منطقية هذا السلوك، ويتميز هذا السلوك بقيام الأفراد الأكثر تأثيرا - وهم قلة- بتوجيه الأشخاص الأقل تأثيرا (وهم الأكثرية) وقيادتهم نحو أهداف محددة، كما يتميز أيضا بانعدام المركزية إلى حدٍ ما، وهذا النمط السلوكي ليس بمستحدث في تاريخ البشرية فقد سطر القرآن الكريم الكثير من الشواهد عليه، فها هو فرعون يقود شعبه كما يسوس الراعي القطيع قائلا لهم:(ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)29-غافر. وقد شبه السياق القرآني الكريم سلوك كفار قريش الذين كانوا يخضعون لإمرة جبابرتهم وطغاتهم عند سماعهم لمواعظ القرآن ونفورهم منه بشكل جماعي متواطئ عليه بسلوك الحمر الوحشية عند نفورها من السباع إبان هجومها عليها (كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة)-50،51- سورة المدثر، يعني شبه سلوكهم بالسلوك الحيواني في أبشع وأوضع صوره. وفي قصة الرهط في سورة النمل:(وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون) - 48 - تسعة فقط بيدهم القيادة والنفوذ السياسي يسوقون القطيع.. ولو تدبرنا الآيات الكريمة التي تمثل لنا سلوك القطيع لوجدناها وردت في مجملها في سياق الذم لأن الإسلام دين يدعو لتحرير العقول من التبعية المقيتة وإعمال الفكر واستقلالية القرار والتأمل العميق. وفي عصرنا الحاضر ومع إحكام السيطرة الإعلامية الحرة قبضتها على كافة أشكال وأنماط الحياة الاجتماعية فرضت هذه النظرية نفسها بقوة في سلوك المجتمعات..فصارت الشريحة المؤثرة هم أبطال الصناعة الإعلامية من ذوي الاهتمامات المختلفة وأصحاب الحراك الجماهيري ومن خلالهم يتم الوصول إلى أكبر شريحة من أفراد المجتمع عبر الشبكات الاجتماعية. لقد كان الفرد قبل أكثر من عقد من الزمان هو الذي يحدد أوجه الإنفاق على أسرته ويقنن ميزانيتها وفقا لمقدار دخله الشهري وبحسب ذات يده، فالأثرياء وميسورو الحال يعيشون حياة مترفة فارهة وينفقون بشكل باذخ، أما ذوو الدخل المحدود والمعسرون فإنهم يقتصدون في الإنفاق ويعيشون حياة البسطاء بعيدا عن الترف ومظاهر الإسراف، فكل يتعايش بحسب ظروفه المالية والفوارق الطبقية الاجتماعية. واليوم..أصبح رب الأسرة المحتاجة عالقا بين مطرقة الغرق في الديون -نتيجة محاكاة الطبقات الاجتماعية الفارهة- وسندان العتاب واللوم الشديدين الموجه له من أبنائه وزوجته بالتضييق عليهم وحرمانهم من سبل العيش الرغيد التي يمثلها مشاهير قنوات التواصل الاجتماعي من صناع الإعلام المفتوح، فيُسحق المسكين تحت رحى معايير أنماط الحياة العصرية التي يقودها أولئك.. فقط لأنه لم يستطع أن يخرج عن سلوك القطيع. وماذا بعد؟! قد يعتقد البعض أن (سلوك القطيع) هو وصف سلبي على الإطلاق، فهل هو كذلك؟ ليس بالضرورة، فبالإمكان الاستفادة منه لتوجيه العامة إلى تبني عادات إيجابية، كالمحافظة على الرياضة والاهتمام بالتشجير كما رأينا مؤخرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي السعودية، ولا نغفل أيضا أهمية هذا السلوك في وقتنا في توجيه المجتمعات لما فيه خير البلاد والعباد ولتعزيز القيم الأخلاقية والوجدانية. ونصيحة نقدمها لرب الأسرة المتضررة باتباع سلوك القطيع: إن الخروج من سلوك القطيع لهو أمر ليس في غاية الصعوبة وإنما يكمن في إعادة بناء الثقة بالنفس وترسيخ تلك القناعة في نفوس أفراد الأسرة بدءًا من ذواتنا، فنتعلم أن نلبس ما نراه (نحن) أنيقا ونأكل ما نجده (نحن) لذيذا ونستمتع بأبسط تفاصيل نِعم الحياة التي نؤمن (نحن) بجمالها بعيدا عما يعتقده باقي أفراد القطيع.