تسير بنا الحياة لنكتشفها ونكتشف من حولنا، والأهم هو اكتشاف أنفسنا فيها وتطور شخصياتنا وكيف أنا اليوم تختلف عن أنا بالأمس، وأنا بالغد؛ فالشخص في طفولته إلى مراهقته فشبابه ثم نضجه تختلف نظرته لأشياء كثيرة وقد يتبدل رأيه وقناعته وفق مؤثرات ومتغيرات وحياة يمر بها فلا حالٌ دائم، ولا وضع ثابت. خلال هذا السير تمر بنا صفة ملحوظة تختلف نسبها بين الجميع لكنّها في نفس الوقت متمكنة، قد يكون ذلك نسبة لفطرة الإنسان التي تأتي قوتها من عدم الوعي لحدود العلاقات الإنسانية فيما بين الناس؛ أتحدث هنا عن «التملك». ينمو التملك من طفولتنا ويتطور، لكن بعضهم لا يستطيع أن يضع حدا لما هو شأن له وما هو تطفل على شؤون الآخرين؛ فتجد من يحوّر المعنى إلى شدة المحبة والتعلق ليكون سببا وجيها لشد الآخر رغما عنه نحوه، أو بالأصح لأن يجعله يمتثل بما يعتقد وبما يؤمن، وكأن لا حياة للطرف الآخر أو قرارات فيجب أن يعيش وفق منظور المتمَلِّك لأنه الحق والصواب، فلا يهتم إن كان الطرف الآخر يكبره عمرا، أو أخبر منه حياة، أو أنه فقط مجرد قرار يرى فيه طريق حياته التي تناسب قناعته المختلفة عنه؛ فالأسرة الواحدة مثلا تختلف فيما بين أفرادها مع أنهم من نفس البيئة ينتمون وبنفس الحياة اجتمعوا؛ فقد تنوعوا مع سير الدنيا فترى تشكيل اختلافاتهم رغم روابط الدم والنشأة الواحدة، فما بالكم بعائلة أو بمجتمع، أو بمجتمعات متنوعة. أي طرف آخر يمر بحياتك أو هو بالأصل في حياتك ليس «شيئا» لتمتلكه وليس جزءا من نفسك حتى تفرض عليه قناعتك واعتقادك، فمثلما ترغب أن تعيش كما أنت، عليك أن تحترم الأفراد الآخرين وحقوقهم وحرياتهم الشخصية طالما لم تتعدَ عليك. العيش بالخفاء أو بشخصيتين أو بأكثر من شخصية خوفا أو سلما ممن حول الفرد خطأ جسيم لأنه أولا يعزز الخوف، وأن ما يكون في الخفاء هو خطأ بالإجماع حتى إن كان الفعل المجرد صوابا، وثانيا لماذا يعيش الشخص بأقنعة أو بشخصيات تختلف عنه، وكأن له عددا من الآراء والأوجه التي تُرضي الجميع، أم أن عليه أن يبحث عمن يكون له سندا وعونا له ليظهر اختلافه عن محيطه الصغير أو الكبير ليعيش الفترة التي كتبها الله له وفق اختياراته الشخصية، وسيحاسبه تعالى عليها! أبناؤك ليسوا ملكك، إخوتك ليسوا ملكك، جيرانك، أبناء حيك، مدينتك، ووطنك ليسوا من أملاكك حتى تتطفل وتفرض عليهم توجهك؛ عليك تقبل الآخر وعليك التحاور مع من هم بالقرب منك، وبشكل أدق، كن إنسانا في تصرفاتك وأقوالك وأفعالك فلست مركزا للكون، ولست موكلا من الله حتى تغير أو تطالب بفرض التغيير وفق أهوائك؛ هناك فرق بين الحوار الحضاري بوجود الاحترام والتقدير وبين من لا يرغب أن يتصرف كفرد من بني جنسنا البشري، إن كنت ترغب بالتأثير فكن مؤثرا باحترامك لنفسك أولا وبمفرداتك ثانيا وبأفعالك أخيرا، حتى تحظى عن جدارة بالمستوى الذي أسست نفسك فيه عاليا، فمثلما منحت نفسك حق الاستقلال وعدم التملك، عليك أن تؤمن به لغيرك، لكونك بشرا مثله ولا تختلف عنه بشيء في هذه النقطة.