هذا المقال من قلبي لكم، هذا المقال مشاعره لا تحتمل إلا الصدق، كأن يقول لك شخص: «أحب أمي وأبي» فلا احتمال هنا غير الصدق، لأنه الشعور الطبيعي لعموم الناس.. ولا يقاس على الاستثناء. من ناحية ثانية، وهذه ما أرجو منكم أن وصدقوني فيه، وهو هدف هذا المقال ومقصده، أن لكل أمرٍ يحل بنا جمالا لم نكن لنكتشف مدى عمقه لو لم يكتب الله لنا ما ينزل بنا من ظروف. أكلمكم عن تجربتي الأخيرة مع المرض، وهو -ولله الحمد- مراجعة وإجراءات إكلينيكية فقط تتطلب بقائي أياما بالمستشفى. لكن كيف يمكن أن تجد جمالا وأنت على سرير المستشفى؟ بالنسبة لي لم أجد الجمال فقط بل عشته، وغمرني برونق ألوانه وعشت بالمستشفى قصة حب من رأسي حتى قدمي.. ليس حبا جديدا بل حبا بدأ من سنين من أول صرخة يوم خروج حبيبتي التي أحدثكم عنها للحياة، وعرفت جمالا وسعادة لم أكن أعتقد أني سأتسامى لمقاميهما، رغم تعلقي بها بالأصل والطبيعة. هذه الفتاة الأثيرة لدي منذ ولدت، دائما قريبة لقلبي بشكل يجعلني أشعر أنها ليست بقلبي بل هي منه، من دمه وخلاياه ونبضاته.. لاحظت بالمستشفى أنني لا أستسيغ طعام المستشفى وبذات الوقت لابد من الالتزام بحمية غذائية خاصة، فقررت أن تطبخ لي يوميا الوجبتين الغداء والعشاء بحيث يكون متنوعا ولذيذا ومنضبطا مع ملاءمة الوجبات للحمية الغذائية الطبية. وحيث إني حرصت على عدم إزعاج أحد بخبر وجودي بالمستشفى فقد تسنى لي ربما لأكثر مرة بحياتي أن نبقى لوحدنا مدة أطول وأجمل. ومع أن زواري قليلون بحكم التكتم، إلا أنها يوميا تحرص بنفسها أن تعد القهوة وأنواع الشاي المختلفة والضيافة الملحقة. ثم إنها لا تتحدث إلا عن الأخبار المفرحة بروحها الخاصة التي تزيد من وهج الجمال الذي عشت فيه، وكأني قيصر الأرض وليس مريضا بمستشفى. وفي ظل هذا الحب والخدمة اللذين ليس لهما مثيل، لم أسأل يوما عن يوم الخروج. إلى لميس ابنة النبيلين نعيمة الزامل وعبدالعزيز الرقطان.. وابنتي، أول بناتنا وأولادنا ستبقين الأولى بقلبي دائما ولكنك أريتني جمالا في أقصى ما يتمناه أي أب.. وكنت رفيقتي وصديقتي ومصدر سعادتي. أترون كيف أن المرض، متى ما آمنّا، يكرمنا بطريقة لا نتوقعها.. ولكن علينا أن نؤمن بها.. وفي كل ما يحل بنا من ظروف.