قد يكون جواد ظريف رجع عن استقالته وقت كتابة هذا المقال خضوعا لضغوط من يسمون إصلاحيين في النظام الإيراني وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني. وسواء رجع عن هذه الاستقالة أم لم يرجع السؤال هو لماذا استقال من الأصل؟! الجواب المعطى من الإيرانيين أنفسهم أنه غضب لعدم علم وزارة الخارجية بالزيارة المفاجئة لبشار الأسد إلى طهران وعدم دعوته لحضور كل اجتماعاته هناك، بما فيها اجتماعه مع خامنئي. لكن الحقيقة أوسع وأبعد من ذلك. إذا اعتبرنا نظام الملالي الحاكم في إيران أسرة فاسدة فإن ظريف، كما هي حال روحاني، حاول جاهدا أن يخفي الغسيل القذر لهذه الأسرة عن عيون العالم ويحسن سمعتها، واستنفذ طاقته في توزيع ابتساماته في كل المحافل الدولية لكنه لم يستطع أن يُقنع أحدا بأن إيران تريد السلام والبناء مثلها مثل كل الدول العاقلة التي تسعى لخير شعوبها ومحيطها.في لحظة فارقة أطفأ ظريف ابتسامته وعاد إلى رشده موقنا أن نظاما سياسيا مثل النظام الذي يخدمه ميؤوس منه؛ طالما أن قراره النهائي بيد المرشد وقائد الحرس الثوري قاسم سليماني، بينما هو ورئيسه روحاني آخر من يعلم في ظل التجاذبات الداخلية مع المتشددين الذين يطرحون الآن أسماء موالين للمرشد تخلف ظريف من بينهم حسين عبداللهيان الذي تبجح أكثر من مرة باحتلال إيران لأربع عواصم عربية وأزبد ضد إسرائيل مهددا بمساواة تل أبيب وحيفا بالتراب. هذا يعني، بغض النظر عن عودة ظريف عن استقالته أو إصراره عليها وتعيين وزير جديد، أن النظام الإيراني بدأ يقضم بعضه في صراع محتدم على السلطة والقرار. ولم يعد بالإمكان إخفاء هذا الصراع عن الإيرانيين والعالم. ويعني، أيضا، أن إدارة الرئيس ترامب نجحت في نزع ورقة التوت عن عورة هذا النظام بعد أن ألغت الاتفاق النووي وأعادت فرض أقصى العقوبات على طهران مصرة على شرط عودته عن زعزعة السلام الإقليمي والدولي أو بقائه يتآكل من داخله حتى يسقط. على مدى أربعين سنة هي عمر ثورة الخميني لم يشهد النظام الإيراني مثل هذا الوضع السيئ المهدد لبقائه، خاصة وأن جزءا كبيرا من هذا التهديد يأتي من الداخل ومن الشعب الإيراني نفسه. ومن المؤكد أن العالم سيكون أفضل بدون هذا النظام.