نجد في الحياة اليومية كثيرا من التعاملات بين أفراد المجتمع والتي تشكل التزامًا على عاتق أطرافه، وهو ما يمكن تسميته بالعقد؛ والذي يُعرَف نظامًا بتوافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه. وإجمالًا لا يخلو عالم العقود من عقد منفذ، وآخر أُدرج في طيات عدم الالتزام التعاقدي أو عقد لم ينعقد أساسًا، وبذلك تتحرك الحماية التي قررها القانون لحماية هذه التعاملات والعمل على استقرارها في المجتمع. وكثيرًا ما تُغير بعض المفردات المستخدمة أحكامًا وآثارًا مختلفة في العقود، ولعلي أسلط الضوء في هذا المقال على مفردتين لهما معان مختلفة، والتي قد تكون لدى غير المختصين بمعنى واحد، وهما «بطلان» العقد و«فسخه». من المعلوم أن لكل عقد أركانا وشروطا يجب توافرها لانعقاده، فجزاء تخلف أحد هذه الأركان مثل (التراضي - المحل - السبب) أو اختلال شرط من الشروط مثل (صدور الرضا من غير مميز) يجعل من العقد عقداً باطلًا؛ أي أن العقد لم ينعقد أصلًا، وبهذا فإن الطرفين يعودان إلى مركزيهما القانونيين قبل الانعقاد، فإن كان قد تسلم مبالغ بسبب هذا العقد الباطل فإنه يسلمها لصاحبها. بينما فسخ العقد فلا يعني البطلان، فهو حكم يرد على عقد صحيح مكتمل الأركان والشروط، إلا أنه لأسباب معينة لم يستطع أحد الطرفين تنفيذ الالتزام أو اتفقا على فسخ العقد برضاهما، وفي هذا الحال فإن آثار العقد تسري ولا يعد مفسوخًا إلا من تاريخ اتفاقهما على ذلك لا من تاريخ العقد. والفسخ لا يمكن تصوره إلا في العقود الملزمة للجانبين حيث يلجأ الطرف الآخر للمطالبة بفسخ العقد حتى يتحلل أيضًا من التزاماته المتقابلة. وتجدر الإشارة إلى الطرق التي بموجبها يتم فسخ العقد؛ إما أن يكون بحكم القضاء، أو أن يكون بالاتفاق بين الأطراف، أو يكون بقوة القانون. وأتحدث أولًا للفسخ بحكم القضاء، ويكون بتحريك الدعوى القضائية والمطالبة فيها بفسخ العقد مع التعويض عند الاقتضاء، وأما الفسخ الاتفاقي فهو عبارة عن تضمين العقد بندًا يتفق فيه الطرفان على اعتبار العقد مفسوخًا في حالة عدم تنفيذ أحدهما لالتزامه فيه، وأخيرًا الفسخ بقوة القانون أو ما يُعرف «بالانفساخ» وهو استحالة تنفيذ العقد لسبب أجنبي لا دخل لطرفي العقد فيه، فحينها ينفسخ العقد من تلقاء نفسه. ومن أمثلة البطلان من باع عقارًا على آخر وهو لا يملكه أو لم يقدر على تسليمه، ففي هذه الصور فإن العقد باطل، والعقار لمالكه الأول ولم تنتقل ملكيته للمشتري فلا أثر للعقد. وأما الفسخ؛ مثل قيام المؤجر بتأجير عقاره على المستأجر ولم يلتزم الأخير بدفع الأجرة والتي هي من التزامات العقد، ففي هذه الحالة يحق للمؤجر التقدم بدعوى طالبًا فسخ العقد لإخلال المستأجر بتنفيذ التزامه. ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). سورة المائدة (1)