بداية.. هنالك مسلّمتان يجب أن أنوّه إليهما قبل طرح هذا الموضوع، الأولى: وكما سبق وأن اعترفتُ في مقال سابق أنني لستُ مختصا بالشأن الرياضي، لذلك فاهتمامي لا يتجاوز الجانب الموضوعي الذي يتصل بالشأن العام، أو يؤثر فيه بشكل أو بآخر، أما مادة الرياضة فهي للرياضيين وبالتالي ليس لي أدنى حق في الخوض فيما لا أعرفه ولا أفهم فيه، الثانية: أن حديثي هذا لا يمس العموم، وإنما فقط يتناول شريحة - بغض النظر عن حجمها - إلا أنها باتتْ الأكثر حضورًا، والأشد تأثيرًا لأنها تلامس رغبات عامة الجمهور الذين تحركهم الإثارة، ويفسرون الانتصار بالنيل من الخصوم والإضرار بهم، حتى لو بلغ الأمر تلفيق التهم لهم، وتشويههم، بل ربما يكون هذا في نظر البعض هو أسمى درجات الانتماء لما يتفق الرياضيون على تسميته ب (الكيان)، والكل يتحدث عن الكيان، ورمزية الكيان، وعلو كعب الكيان كما يتحدث كليب عن عشيرته ربيعة أو جساس عن مرة، ويتغنى بأمجاده كما لو أنه اليوفي أو برشلونة حتى ولو كان يقبع في ذيل قائمة فرق الثالثة، حتى انتشر التعصب في الوسط الرياضي، وبلغ الاحتقان مداه، وأذكر أنني وصفتُ أكثرية جماهير الأندية في مقال نشرته في إحدى الصحف المحلية السعودية منذ أعوام ( بالقبائل اللونية )، فالكل على أتم الاستعداد للدفاع عن قبيلته الرياضية وربما بما يتجاوز الأخلاق الرياضية التي يتحدث عنها الجميع لكن لا أحد يراها على أرض الواقع إلا فيما ندر بعد ضياع الرشد من قبل بعض الإعلام الذي يحرّك غريزة الانتقام من المنتصر. المشكلة كما أفهم أن هنالك من يخلط ما بين مفهوم الإثارة، وبين التعصب، حتى أصبح لدينا مفهوم هلامي زئبقي يستطيع كل واحد من عتاة المتعصبين من كافة الأندية أن يتبرأ من تعصبه واحتقانه، ويحيل طرحه المتشنج إلى الإثارة، وعلى الآخرين أن يقتنعوا رغم أنوفهم لأنه لا حدود لفض الاشتباك ما بين المفهومين. صحيح أن الأمر يكاد يكون ظاهرة دولية حتى على مستوى بعض الدوريات الأوروبية، وصحيح أيضا أنه لا مكان للمثالية في التشجيع الرياضي، لكن هذا لا يبرر أبدا فتح الفضاء لساعات طويلة لمن يوغرون الصدور، ويزيدون الاحتقان في ملاحاة بعضهم لكسب رضا بعض الجماهير التي تفرح لهزيمة المنافسين أكثر من فرحها بفوز فرقها، هذا الأمر لن يفضي إلى مشاجرة عابرة بين مسؤولي بعض الأندية كما حدث في إحدى المنافسات، وإنما سيقودنا لما هو أعنف، إن لم تتبن هيئة الرياضة عبر الإعلام الرياضي من الأنظمة ما يضع الرياضة في إطارها بين قوسين بعيدا عن أي نشاز.