في المقال السابق «دور المقاتلين الشيشان في سوريا»، ذكرت أنه بعد ثلاث سنوات من التدخل الروسي في سوريا ساهم في تصدع المجموعات القوقازية التي تعتبر العمود الفقري لتنظيم داعش داخل سوريا وتهميشها. كما أن المجموعات القوقازية المستقلة والمجموعات المتحالفة مع جبهة النصرة كذلك عانت الانحسار في ظل التراجع لحركة المتمردين بصورة عامة وخاصة بعد سيطرة الجيش السوري على كامل مدينة حلب في ديسمبر 2016. وعليه يمكن القول إن مستقبل مقاتلي القوقاز بعد سوريا تحكمه ثلاثة سيناريوهات أساسية، يمكن تلخيصها فيما يلي: أولا: عودة مقاتلي الشيشان وشمال القوقاز إلى بلدانهم الأصلية، وهذا القلق تشترك فيه روسيا مع بقية الدول الأوروبية، من عودة المقاتلين الأجانب من مناطق الصراعات إلى أوطانهم الأصلية والتهديد الذي يمثله هؤلاء المقاتلون. فروسيا تخشى من عودة مئات المتشددين روسيي المولد لينضموا إلى حركة تمرد الذين يقاتلون في داغستان ومناطق أخرى في شمال القوقاز بعد تدريبهم في معسكرات تنظيم داعش وتنظيمات جهادية أخرى، واكتسابهم خبرات عسكرية واسعة، والبدء في نشر أفكارهم المتطرفة أو تأسيس تنظيمات إرهابية على غرار تنظيم داعش، من أجل إقامة دولة إسلامية كما يزعمون. ولهذا فقد اتخذت روسيا، بالتعاون مع دول الجوار، إجراءات تعاونية شديدة الصرامة تتمثل في تأمين الحدود مما يجعل من عملية اختراقها أمرا غاية في الصعوبة. كما أن الرئيس بوتين قدم تعديلا لقانون مكافحة الإرهاب وأقره البرلمان لمحاسبة من يقاتلون في الخارج عند عودتهم إلى البلاد جنائيا. ثانيا: إعادة التمركز في أفغانستان، فبعد خسارة تنظيم داعش مواقعه في سوريا والعراق، بدأ ينشط في نقل عناصره إلى الأراضي الأفغانية، حيث يعمل هناك على استقطاب أعداد كبيرة من مقاتلي حركة «طالبان» إلى صفوفه، مما يمثل تهديدا كبيرا لروسيا. ويشير تقرير أصدرته الأممالمتحدة في أغسطس 2018 إلى أن أعدادا كبيرة من المقاتلين الأجانب توجهت إلى أفغانستان كملاذ بديل عن سوريا والعراق. وبحسب التقرير فإن ما يقدر بنحو 3500-4500 من مقاتلي تنظيم داعش يتواجدون في أفغانستان، وأن هذه الأعداد تتزايد. وخشية موسكو تكمن في إمكانية انتشار تنظيم داعش من أفغانستان إلى دول مجاورة مثل طاجاكستان وأوزباكستان ومنها إلى روسيا. إلا أن تحقق هذا السيناريو مرهون بقدرة قيادات التنظيم على الاستقرار في أفغانستان، لا سيما أن ذلك هو مقر تنظيم القاعدة وكذلك سيطرة حركة طالبان على المنطقة لسنوات عديدة دون زوالها، كما أن عدم وجود حواضن اجتماعية لداعش في أفغانستان قد يمثل عائقا هاما أمام تحقق هذا السيناريو. ثالثا: تفكك التنظيم وتحوله إلى اللامركزية: يتمثل هذا السيناريو في تشظي التنظيم وتفككه بحيث يتحول التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود، ينشط بشكل كبير في المجال الافتراضي. ولعل أوضح مثال على هذا الأسلوب حادث الدهس المروع الذي وقع في موسكو في يونيو 2018، بعد ثلاثة أيام من انطلاق بطولة كأس العالم، التي استضافتها روسيا، وأدى إلى سقوط أكثر من 8 جرحى. فمنفذ الهجوم لم يكن يخضع إلى التنظيم ولم يكن يستلم منه التعليمات، بل قام بالتخطيط والتنفيذ ضمن إمكاناته الذاتية، وتحرك بتأثير من دعاية التنظيم. وقد رصدت أجهزة الأمن الروسية زيادة في أعداد المنضمين الروس إلى تنظيم داعش، كما رصدت زيادة في أعداد مواقع الانترنت التي كانت وظيفتها جذب مجندين جدد إلى التنظيم، وعلى إثر ذلك قامت الأجهزة الأمنية الروسية باعتقال حوالي 2000 فرد في موسكو، بالإضافة إلى إغلاق 32 موقعا إلكترونيا روسيا تنشر أفكارا داعشية.