كان الحديث عن مخاوف من تراجع الاقتصاد العالمي في منتدى دافوس العالمي والذي اختتم أعماله في سويسرا، بعد أن أكد آخر تقرير لصندوق النقد الدولي «آفاق الاقتصاد العالمي»، على انخفاض النمو العالمي من 3.7% في 2018 إلى 3.5% في 2019 ويتوقع له أن يحقق ارتفاعاً طفيفاً يصل إلى 3.6% في 2020 بانخفاض قدره 0.2 نقطة و0.1 نقطة مئوية. ولا يعد التراجع في حد ذاته خطورة بقدر ما تشكله السرعة التي يسير عليها مؤشر النمو الآخذ في الانخفاض الأكبر من المتوقع سواء في معدل نمو الاقتصادات المتقدمة مقارنة بمستوياتها السابقة أو تأثير الإجراءات التجارية على الصين وغيرها من الاقتصادات الآسيوية. فالسرعة التي تهدد العديد من المعالجات العالمية لاحتواء الأزمة تجعل من الخطر المحدق بالاقتصاد العالمي أزمة مرتقبة، بالذات في ظل انعدام القدرة على التعامل مع السياسات الفردية التي تتخذها بعض الحكومات في العالم المفاجئة وغير المتوقعة، كما بدا التخوف من سياسة الحكومات الجديدة القادمة وجدول أعمالها الذي يمكن أن يؤدي إلى تزايد الخطر في أي وقت ويشكل أزمة حقيقية. وهناك السياسات التجارية والمخاوف من التصعيد والإجراءات الانتقامية التي تعد هاجسا يتسبب في انخفاض الاستثمارات العالمية، وتراجع العرض وبالتالي بطء نمو الإنتاجية وضعف هامش الربحية في قطاع إدارة الشركات، وهو ما قد يؤثر على «المزاج السائد في الأسواق المالية». وبالطبع فإن الأحداث والسياسات غير المتوقعة للدول المؤثرة في الاقتصاد قد تتسبب في إحداث تدهور أوسع نطاقاً يخشاه المستثمرون وإعادة تسعير الأصول ما ينعكس على ارتفاع أعباء الديون. ولعل أكثر الاقتصاديات المؤثرة والتي من شأنها أن تتسبب في تسريع وتيرة الانخفاض هي الاقتصاد الأوروبي وبالذات الإيطالي الذي يواجه أزمة منذ العام 2018، وهناك البريطاني الذي يستعد للخروج من الاتحاد الأوروبي ولدينا اليوم الاقتصاد الفرنسي الذي أغفله تقرير الصندوق بسبب استجداده. أما الاقتصاد المؤثر الثاني فهو الصيني الذي يعاني تباطؤا حادا بل وأكبر من المتوقع كما وصفه التقرير، وهو ما يشكل خطرا محدقا على استقرار الاقتصاد العالمي وبالتالي على الأسواق النشطة والمتحركة. وفي الوقت الذي تكمن خطورة كبيرة وعميقة على الاقتصاد العالمي ستكلف غاليا العالم كله وقد تؤدي إلى حالة ركود اقتصادي عالمي لا تحمد عقباه إذا لم يحسن التعامل معها، والمشكلة تكمن في السرعة مع تواتر الأحداث دون توقف. إلا أن لهذا التراجع ميزة لا يمكن إغفالها فهو يعيد رسم الاقتصاديات المحلية ورجوعها إلى مربع البداية عبر تشكيل صندوق مخاطرة يتكون من احتياطي مالي وإعادة رسم سياسة الاقتصاد المحلي بتشريعات قادرة على مواجهة الأزمات وبقواعد أكثر عصرية وصلابة وهذه المعالجة متاحة اليوم، والاعتماد على التنوع الصناعي بما يشكل اكتفاء ذاتيا يمكن أن يعول عليه.