التفاؤل الحذر، هو ما تتسم به أغلب تقارير الاقتصاد الدولي في الوقت الراهن، بعد أن بات دور مثل هذه التقارير كبيرا على اقتصادات تشكل أعمدة في السوق العالمية. لذا، فإن التفاؤل لا يضر حين يكون عنوانا يعطي انطباعا جيدا قبل قراءة التفاصيل وما وراء التفاصيل. فتقرير صندوق النقد الأخير «آفاق الاقتصاد العالمي» الذي صدر في يوليو الجاري اتسم بذلك، بيد أن المخاطر المحدقة بالتفاؤل المتوقع بدت حقيقية وواقعية أكثر من التفاؤل ذاته، ولكن نحن قوم نؤمن ب«التفاؤل». أكثر ما يلفت الانتباه في التقرير، أن المخاطر المحدقة بالاقتصاد العالمي تتحكم بها أربعة اقتصادات رئيسية وقوية، هي: الاقتصاد الصيني، الاقتصاد الأمريكي، الاقتصاد الأوروبي، والاقتصاد البريطاني. فقد أورد التقرير ما يبين المخاطر المحيطة بتنبؤات النمو العالمي التي قال: إنها «متوازنة إلى حد كبير على المدى القصير، لكن الكفة السلبية لا تزال هي الأرجح على المدى المتوسط. فعلى الجانب الإيجابي، يمكن أن يكون التعافي الدوري أقوى وأكثر استمرارية في أوروبا، حيث تراجعت المخاطر السياسية. وعلى الجانب السلبي، ترتفع احتمالات حدوث تصحيح في السوق بسبب التقييمات السوقية العالية ودرجة التقلب بالغة الانخفاض في بيئة من عدم اليقين الكبير بشأن السياسات، مما قد يؤثر على النمو ومستوى الثقة. ومع التحول إلى سياسات أكثر دعما في الصين، وخاصة النمو الائتماني القوي، تزداد مخاطر انخفاض النمو على المدى المتوسط. ويمكن أن تؤدي عودة السياسة النقدية العادية في بعض الاقتصادات المتقدمة، ولا سيما الولاياتالمتحدة، إلى تضييق الأوضاع المالية العالمية بأسرع من المتوقع». وبعيدا عن وصف السلبية والايجابية في الفقرة السالفة من التقرير، نجد أن الاقتصادات الأربعة التي ذكرتها سالفا هي المتحكم الرئيسي في السوق العالمية، بحالتيها، وهي مصدر الخطر على الاقتصاد الدولي برمته، فنحن إذا رهن سياستهم بين صعود وهبوط. فقد توقع التقرير أن يظل معدل النمو في (الصين) 6.7 بالمائة في 2017، وهو نفس المستوى الذي كان عليه في 2016، وألا ينخفض إلا بقدر متواضع في 2018 ليصل إلى 6.4 بالمائة. وبحسب التقرير فإن رفع التوقعات لعام 2018، بنسبة 0.2 نقطة مئوية يأتي ليعكس في الأساس توقع تأخير السلطات لعملية التصحيح المالي اللازمة (وخاصة بالحفاظ على مستوى الاستثمار العام المرتفع) لتحقيق هدفها المتمثل في مضاعفة إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لعام 2010 بحلول عام 2020. غير أن هذا التأخير يتسبب في زيادات كبيرة في حجم الديون، ومن ثم زادت أيضا مخاطر التطورات السلبية المحيطة بسيناريو التوقعات الأساسي. كما أوضح إمكانية أن يؤدي عدم استمرار التركيز الموجه في الآونة الأخيرة لمعالجة مخاطر القطاع المالي وكبح النمو الائتماني المفرط (لا سيما عن طريق تشديد قواعد السياسات الاحترازية الكلية) إلى تباطؤ حاد في النمو تنتقل تداعياته السلبية إلى البلدان الأخرى من خلال قنوات التجارة وأسعار السلع الأولية والثقة في هذا البلد الآسيوي الكبير. كما خفض التقرير تنبؤات النمو (لأمريكا) من 2.3 بالمائة إلى 2.1 بالمائة في عام 2017 ومن 2.5 بالمائة إلى 2.1 بالمائة في 2018. وفي حين أن تخفيض تنبؤات 2017 يرجع في جانب منه إلى ضعف نتائج النمو في الربع الأول من العام، وأوضح أن أهم عامل وراء تعديل تنبؤات النمو وخاصة لعام 2018، هو «افتراض أن سياسة المالية العامة ستكون أقل توسعا من المفترض في السابق؛ نظرا لعدم اليقين بشأن توقيت وطبيعة التغييرات في سياسة المالية العامة الأمريكية». ولفت التقرير إلى انحسار توقعات السوق المتعلقة بدفعة التنشيط المالي بشأن الاقتصاد الامريكي، مبينا أن عودة السياسة النقدية العادية في الولاياتالمتحدة بسرعة أكبر من المتوقع قد تؤدي إلى تضييق الأوضاع المالية العالمية وتحويل مسار التدفقات الرأسمالية الموجهة للاقتصادات الصاعدة، إلى جانب ارتفاع سعر الدولار الأمريكي الذي يفرض على الاقتصادات الصاعدة أعباء الرفع المالي الكبير أو ربط العملات المحلية بالدولار الأمريكي أو أوجُه عدم الاتساق في الميزانيات العمومية. وفي نفس الوقت، إذا كان مثل هذا التشديد للسياسة النقدية انعكاسا لتحسن الآفاق المتوقعة للولايات المتحدة، فإن شركاءها التجاريين سيستفيدون من انتقال آثار الطلب الإيجابية بحسب تحليل تقرير النقد الدولي. في حين رفع التقرير توقعات النمو لهذا العام بالنسبة لكثير من بلدان (منطقة اليورو)، بما فيها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، حيث كان النمو للربع الأول من 2017 أعلى من التوقعات بشكل عام. ويشير هذا، بالتوازي مع التعديلات الموجبة في معدلات النمو المتوقعة للربع الرابع من 2016 والمؤشرات عالية التواتر للربع الثاني من 2017، إلى الزخم الأقوى الذي اكتسبه الطلب المحلي مقارنة بالمتوقع في السابق، وبحسب التقرير هذا ما ساهم في رفع توقعاته لهذا الاقتصاد المتقدم. ظل زيادة الثقة في تعافي منطقة اليورو وانخفاض المخاطر السياسية. وأشار التقرير إلى أن بعض بلدان منطقة اليورو، يمكن أن تتفاعل الميزانيات العمومية المصرفية الضعيفة وآفاق الربحية غير المواتية مع ارتفاع المخاطر السياسية لتصبح مصادر قلق على الاستقرار المالي، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل يمكن أن يجعل ديناميكية الدين العام أكثر سوءا. كذلك يمكن أن يؤدي التراجع (واسع النطاق) عن المستوى القوي للتنظيم والرقابة الذي تحقق في القطاع المالي - قوميا ودوليا - منذ وقوع الأزمة إلى خفض هوامش الأمان التي يتيحها رأس المال والسيولة أو إضعاف فعالية الرقابة، مع ما يسببه ذلك من تداعيات على الاستقرار المالي العالمي. أما (بريطانيا) فقد تم تخفيض التنبؤات بشأنها في هذا العام على أثر النشاط الأضعف من المتوقع في الربع الأول من العام بعد انزوائها وخروجها من بريكس. تركيزي على هذه الاقتصاديات الأربعة كان لتبيان ما نحن عليه اليوم، فإن ارتجاع أثرها بين سلب وايجاب يؤثر على اقتصاداتنا الصغيرة والنامية، ولذا وجب أن نقرأها بتأن ليكون لدينا تنبؤنا الخاص وتقييمنا المسبق لما يجري في عالمنا.