في عالمنا اليوم - على مستوى المؤسسات والبيوت والمجتمع - أقوام طلباتهم أكبر من مستوى قدراتهم وخدماتهم! إذا رأى تاجرا قال: الله لا يبارك له، لماذا لا يتصدق علينا؟ وإذا رأى قريبا، قابله بهجوم: لماذا لا تزورني؟ لماذا لا تتصل؟ وإذا كان موظفا لا يتوقف عن الأنين والحنين: لماذا لا أعطى خارج دوام؟ لماذا تقويم أدائي الوظيفي أقل من الدرجة الكاملة؟ رغم أنه لو أعطي ما يستحقه بدقة، فلن يأخذ حتى نصف الدرجة التي أعطيت له! وقل مثل ذلك عمن يريد الوظيفة بدون أن يبذل جهده في المؤهل، وعمن يريد النجاح بدون أن يؤدي ما يقابله من عمل وتعب! هذا من يمكن أن نسميه «صاحب الشرهة»، فحياته كلها «شرهة وتشره»! وهناك المرحلة المتقدمة من المرض «يشره ولا يشره» فهو يطلب من الآخرين كل شيء ولا يعطيهم بالمقابل أي شيء! ما المشكلة في ذلك؟ المشاكل في «الشرهة» أن فيها هروبا من تحمل مسؤولية الأخطاء، فهو لا يحاسب نفسه بل يحاسب الآخرين على أخطائه وتقصيره، وسبب للقلق والضغوط، فمن لم يرض بما قسم الله له، ويسعى لاكتساب المزيد بالعمل الجاد بعد توفيق الله، سيظل يتابع الآخرين ويعيش في قلق لماذا لا يعطوه ويقفوا معه؟، وأيضا فيها قطيعة للأرحام فمن الذي سيتواصل مع إنسان لا يتوقف عن مساءلته ومطالبته بما يملك بلسان الحال والمقال؟! وأيضا فيها نزول بالنفس لأن تكون يدا سفلى تنتظر ما عند الآخرين! ما الحل لهذا المرض؟ فهم الحياة حقيقة، وأن كل إنسان مسؤول عن نفسه، والعمل الجاد من أجل النجاح، وفي الحديث الشريف أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس». وتقول عائشة التيمورية: أفديك لا تُضني الفؤاد تحسُرا بعلام كان ولم يكُن ولمِاذا وانظر ترى مُلاك أرضِك قد غدوا بعد العُلا تحت الصُخورِ جُذاذا فاقنع بما يرضى المدبِرُ واتخذ مرضاة صبرِك والهُدى أُستاذا