الإنترنت يصنع جيلا مختلفا ومواكبا للتطور في جميع مناحي الحياة، وذلك يعني ببساطة إعداد هذا الجيل والأجيال المقبلة لمرحلة تضعهم في مسار جديد ومختلف في جميع تفاصيل الحياة التي تصبح تلقائيا أكثر رقمية وسرعة وعلمية، ولذلك مزاياه وسلبياته بكل تأكيد، وهنا مربط الفرس في الموازنة المنهجية بين الإيجابيات والسلبيات والتي ينبغي أن تبدأ مؤسسات التعليم العالي والعام النظر فيها بجدية أكثر حتى لا تفاجئنا الموجة التقنية القادمة، وهي أشبه بتسونامي تقني سيأخذ في طريقه كثيرا من المعطيات التقليدية الحالية. في آخر الإحصاءات، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم الأن أكثر من 4 مليارات شخص، أي أكثر من نصف سكان العالم. ومعظم مستخدمي الإنترنت الجدد يستخدمون هواتف ذكية، إذ أن هناك أكثر من 200 مليون شخص حصلوا على أول جهاز محمول في عام 2017م، فيما ثلثا سكان العالم البالغ عددهم 7.6 مليار نسمة لديهم الآن هاتف محمول. أما على صعيدنا الوطني، فقد ارتفع معدل مستخدمي الإنترنت في السعودية خلال العامين الأخيرين إلى 22.4 مليون مستخدم عام 2016م، حسبما ذكرته هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، لكنه ارتفع أكثر في العام التالي، حيث كشف تقرير حديث، أن عدد مستخدمي الإنترنت في السعودية بلغ 30.25 مليون شخص، وأن عدد حسابات التواصل الاجتماعي النشطة وصل إلى نحو 25 مليون حساب، وبلغ إجمالي الهواتف النقالة النشطة في مواقع التواصل الاجتماعي نحو 18 مليون جهاز، وارتفع عدد مستخدمي الإنترنت خلال عام 2017م إلى نحو ثمانية ملايين شخص بارتفاع بنسبة 34%، وارتفع عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي المتفاعلين إلى نحو ستة ملايين خلال عام 2017م بنسبة 32%، إضافة إلى ارتفاع عدد الهواتف الذكية بنحو مليوني هاتف بما يعادل 12%. هذه الإحصاءات والمعطيات في حد ذاتها بداية تسونامي تقني ينبغي النظر فيه بصورة تواكب نتائجه وتداعياته في المستقبل على المدى القريب والبعيد، فنحن أمام حقائق وواقع جديد يتطور يوما بعد آخر، وذلك يعني مواكبة ضرورية ومهمة للتطور التقني يعمل على تطوير قدرات الأفراد ويفتح عقولهم وشخصياتهم لتلقي معارف جديدة، ما يعني ارتفاع مستوى الوعي والإدراك والقدرة على التقييم والرؤية من زاوية أكثر عقلانية من واقع وفرة المعلومات التي تساعد في اتخاذ القرارات والمواقف تجاه القضايا. ذلك يتطلب مسايرة علمية من قبل الجامعات والمعاهد التقنية، بحيث تراعي في مخرجاتها التطورات الجديدة والمتسارعة، ما يعني أجيالا تقنية أكثر قدرة على التعامل مع معطيات الواقع بدلا من أن يكونوا خارج الإطار التقني والحداثة والعصرنة، وفي الجانب الآخر، ينبغي أن نستعد لاستيعاب وظيفي لمن يملكون القدرة على تطوير ذواتهم ومواكبة هذه المعطيات، أي أننا ربما نشهد تداعيات سلبية فيما يتعلق بتوظيف واستيعاب كثيرين لا يملكون المهارات أو المعرفة التقنية التي بدأت تدخل في كثير من الأنشطة والأعمال، وفي الغالب لن تحتاج إلى كثرة وظيفية لأن الأجهزة التقنية ستقوم بأدوار أكثر من البشر. لدينا شباب متحفزون لأدوار تقنية تليق بطموحاتهم وقدراتهم، ونتوقع أن يبرز كثير منهم فيما يتعلق بالابتكار والاستكشاف والتطوير، وهؤلاء يجب أن يوضعوا في الحسبان في مسارات التعليم العالي والمعاهد التقنية فهم ثروة بشرية يجب المحافظة عليها والعناية بها وتقدير مواهبهم بما يجعلهم أكثر تأثيرا وتحفيزا لغيرهم من الأجيال التالية، حيث توسع اقتصاد المعرفة والعلوم والتقنية في مختلف مجالات الحياة، وسيكون الدور والعبء على هؤلاء كبيرا، ويجب أن يكونوا أكثر جاهزية للمرحلة التالية، والتي لن تستغرق وقتا طويلا حتى نكون بداخلها.