عملية التوظيف أو اختيار الأشخاص المناسبين للمناصب تعتبر فنا من الفنون الإدارية التي لا يتقنها إلا القليل، وفي الوقت الحالي ما زالت الطرق التقليدية هي السائدة عند التوظيف خاصة للمناصب المهمة، ولهذا السبب نجد استمرار كثير من المنظمات في «التوظيف العشوائي» والذي يعتبر «مكلفا» خاصة إذا تعلقت المسألة في توظيف أصحاب قرار تؤثر قراراتهم على أطراف داخلية وخارجية. ما أتمناه من قارئ المقال ألا يعتبر مضمونه تقليلا من قدر ومؤهلات ثرواتنا البشرية الحالية، ولكن رؤية التطوير التي تعمل عليها مملكتنا الغالية دفعتني للكتابة عن هذا الموضوع المهم والذي سيكون له تأثير إيجابي على أطراف عديدة، وتشجيع للتميز والمنافسة من خلال تطبيق أفضل الممارسات العالمية في استقطاب وتوظيف الكفاءات البشرية. للأسف هناك ممارسات خاطئة عديدة تتم في عمليات التوظيف، وتأثير تلك الممارسات الخاطئة سيكون مكلفا على أطراف عديدة، فعلى سبيل المثال عندما تتم عملية التوظيف بدون النظر إلى تركيبة «المهارات الصلبة و المهارات الناعمة» في الوظيفة نفسها، وأيضا عندما يتم التوجه لتوظيف الأشخاص «الأذكياء» ومن ثم يتم اعطاؤهم التعليمات بقيود وعدم منحهم فرصة التحرك ذاتيا بالقرارات، وإضافة لذلك إذا كانت عملية التوظيف تعتمد على المعرفة الشخصية بالمرشح فقط دون النظر لأي معايير أخرى. شخصيا أنا أتفق مع التوجه للتوظيف الداخلي قبل التوجه للتوظيف الخارجي في أي جهة، ويعتمد ذلك على نوعية الوظائف ومهامها ولا يشمل جميع الشواغر في الجهة نفسها، ولتوضيح الفرق بين المصطلحين «التوظيف الداخلي» و«التوظيف الخارجي» نجد أن التوظيف الداخلي يتم من خلال الإعلان عن الشواغر الوظيفية داخل الجهة، ويتم تعيين المؤهلين من داخل الجهة نفسها، لشغل تلك الشواغر الوظيفية، أما التوظيف الخارجي فيكون من خلال استقطاب مؤهلين من خارج الجهة لشغل الشواغر الوظيفية في الجهة نفسها. كمثال على ما ذكرته أعلاه، أرى أن عملية التوظيف في القطاع العام الخدمي أصعب من عملية التوظيف في القطاع الخاص، والتوظيف الخارجي «الاستقطاب» في القطاع العام الخدمي «مهم جدا» في بعض الوظائف، ولكن بضوابط معينة، فعلى سبيل المثال حينما يكون هناك شاغر لوظيفة «صاحب صلاحيات أو قيادي» في جهة عامة خدمية فمن الأفضل أن يتم ذلك من خلال مرشحين كانوا في وقت سابق «مستفيدين» من خدمات تلك الجهة، ومطلعين على التحديات التي يواجهها المستفيدون من خدمات الجهة نفسها، بمعنى آخر تطبيق مفهوم «التوظيف من الطرف الآخر»، ومثال على ذلك التعيين الحكيم من القيادة السعودية لوزير العمل والتنمية الاجتماعية والذي كان قبل ذلك أحد المستفيدين من خدمات الوزارة، ومطلعا على التحديات التي يواجهها المستفيدون من خدمات الوزارة. ما ذكرته في المثال السابق لا يعني التقليل من الكفاءات الموجودة في الجهات الخدمية كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، فهناك العديد من موظفي الوزارة تدرجوا في مناصب وظيفية أعلى من خلال مسار وظيفي واضح وأثبتوا أحقيتهم في ذلك، ولكن من المهم أن تتم إجراءات التوظيف بمعايير واضحة ومميزة مما ينعكس على الخدمات المقدمة للمستفيدين. ما أتمناه في الفترة المقبلة أن تكون هناك صلاحيات لإمارات المناطق في قرارات التوظيف الخارجي لفروع الجهات العامة الخدمية في مناطقهم، وإضافة لذلك تكون هناك صلاحيات لترقية موظفي الجهات العامة الخدمية المميزين في المنطقة، ويتم اعتماد «بند الكفاءات» لإمارات المناطق كما هو الحال في بعض الوزارات. ختاما.. صناعة القيادات صناعة من المهم أن تكون مستمرة، والاستقطاب المناطقي عامل أساسي في تلك الصناعة.