مضت أسابيع على الحادثة المؤسفة التي ذهب ضحيتها الصحافي السعودي جمال خاشقجي -رحمه الله- في حادثة شنيعة، طلب الادعاء العام في المملكة بقتل خمسة من المشتركين الفعليين في هذه العملية، ما جعلها تنتقل إلى المجرى القضائي المعتاد في هذا النوع من قضايا القتل. كان بيان النائب العام، الصادر بكل شفافية، هو النقطة الأخيرة على السطر. لقد أنهى أسابيع طوالاً من الحملات الإعلامية الممنهجة ضد المملكة، والمحاولات الرخيصة لاستغلال قضية جنائية إنسانية من أجل أهداف سياسية، حاول البعض خلالها النيل من قيادة المملكة، وصورتها كقوة استقرار وتنمية، وذلك لتصفية حسابات عالقة. كشفت هذه الأزمة عن الدور الإعلامي المهم الذي يمكن أن تلعبه المدرسية التقليدية للصحافة في المملكة، لو أتيحت لها الفرصة بشكل أكبر، من ناحية الحصول على المعلومة، ومعرفة إحداثيات الأزمة، إننا بحاجة لعمل إعلامي يتضح تأثيره الحقيقي على الأرض، بعيداً عن معارك الهاشتاقات الافتراضية، والانتصارات الوهمية في عالم الواي فاي. إن تقاسم الأدوار بين الإعلام الجديد والتقليدي مهم جداً دون المساس بأسس المهنة نفسها. إن الإعلام التقليدي يملك المصداقية والخبرة في التعامل مع الأزمات، وإذا أتيحت له الفرصة فإنه بالتأكيد سيتمكن من إيصال صورة المملكة وصوتها بالطريقة المناسبة، الدقيقة، والوقورة، التي تليق بالبلد الذي تمثله. لا يمكن لنا فصل الخبرة المهمة التي يتمتع بها خريجو الإعلام التقليدي، كونهم الأساس الحقيقي الذي ينطلق منه الإعلام على أسسه، وأصوله، ولا يمكن مقارنته بأدوات تسويق، سيذهب عصرها، بينما المتعلمون من المهنة الأساسية، والمتدرجون عبر مراتبها الطبيعية هم أصلب عوداً، وأكثر قدرة على الاستمرار. ولعله هذه الأزمة الأخيرة كانت درساً مهماً لكافة المهتمين بالإعلام في المملكة من ناحية أن التواجد الإعلامي الدولي مهم جداً لأبناء هذه البلاد، وتطوير كوادر سعودية قادرة على الحديث مع الإعلام الغربي بلغته وعقله. رغم المبالغ المهولة للاستثمارات السعودية في الغرب، وعدد المبتعثين الضخم، فإن التواجد الإعلامي «السعودي الصرف» محدود جداً. وأعتقد أنه حان الوقت لأن تطلق وزارة الإعلام برنامجها الابتعاثي الخاص ليتمكن الآلاف من الإعلاميين السعوديين والباحثين من التعرف على الإعلام الغربي، ومراكزه، والتأثير فيه، وعليه، كون أن العمل على الأرض هو الأكثر تأثيراً من الحملات السوشلية التي تتكلم بالعربية، ونسمعها، ونقرؤها، وكأننا نتحدث لأنفسنا. وكشفت هذه الأزمة عن فئة المتربصين بالمملكة، الذين ادعوا الصمت والوئام، حتى حانت الفرصة، وحاولوا بكافة الطرق التشويش على الدور السعودي في العالم، ومحاولة كسر مصداقيته، من أجل الحصول على مكاسب سياسية. لقد لعبت تركيا دوراً مسيئاً جداً في عملية تجييش العالم على المملكة، واتهامها بعدم احترام حقوق الإنسان. وكان مضحكاً أن يأتي الادعاء من دولة تغص سجونها بالصحافيين، والأكاديميين. لقد كشفت لنا الأزمة الأخيرة أن خط الدفاع الأول للبلاد هم الشعب السعودي، وهو الصديق الأول والأخير لنفسه، والقدار على حماية بلاده، بالتلاحم، والمواجهة، بالحقيقة، والقانون.