لا شك أن مواقع وشبكات ومنصات التواصل الاجتماعي والإعلامي التي تتكاثر وتتمدد وتنتشر بكثافة هائلة وسرعة فائقة، أصبحت الآن بل منذ عقدين تقريباً تُمارس الكثير من الأدوار والوظائف والتأثيرات، بل وتُسيطر وتُهيمن بشكل لا مثيل له على واقع المجتمع السعودي. لقد غيّرت هذه الشبكات الضخمة كل أشكال وأساليب وقواعد وآليات الإعلام التقليدي بصحفه الورقية وإذاعاته وتلفزيوناته، واستطاعت أن تكسر كل التابوهات والحواجز والتقاليد والأعراف، بل وتُمارس غربلة شاملة للكثير من الأفكار والثقافات والقناعات التي سيطرت لعقود طويلة على فكر ومزاج وسلوك المجتمع السعودي. الآن، مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر والفيس بوك واليوتيوب والكيك وسناب شات وانستغرام والواتس آب وغيرها، لم تعد مجرد صدى لواقع المجتمع السعودي وتلك حالة متقدمة جداً من واقع التأثير الذي يُمارسه هذا "الإعلام الإنساني" على المجتمع، ولكنها مواقع التواصل الاجتماعي تجاوزت ذلك بكثير، فهي الآن تقود هذا المجتمع الذي وجد فيها فرصته بل ضالته لصنع إعلامه بالشكل الذي يتناسب مع طموحاته وتطلعاته وقناعاته. لقد استطاعت هذه الوسائل والوسائط التقنية والإعلامية الحديثة التي تقودها مواقع التواصل الاجتماعي أن تبني علاقة مثيرة بينها وبين المجتمع بأفراده وفئاته وتعبيراته. الإعلام الجديد بكل أشكاله ومستوياته وآفاقه، يملك الرغبة والقدرة والفاعلية للدخول إلى عوالم ومجالات وفضاءات لم تكن متاحة في مناخات الإعلام التقليدي الذي يتمتع بقدر كبير من المسؤولية والانضباطية والمهنية والمحافظة. إن أهم ما يُميز الإعلام الجديد، وخاصة مواقعه ومنصاته الاجتماعية، هو قدرته على الانتشار والتمدد والتأثير في كل الفضاءات والمساحات والسماوات، ليصل بكل سهولة وذكاء ووضوح لصنّاع القرار الذين وجدوا في هذه "المنصات الإعلامية المتأنسنة" الكثير من المصداقية والواقعية والشفافية. ولكن، وفي ظل غياب مراكز البحوث والدراسات ومؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى بتوفير الأرقام والإحصائيات والمعلومات والتعريفات والتحولات التي يمكن الاستفادة منها لمعرفة وتشخيص وتحليل المجتمع السعودي، هل يُمكن الوثوق بمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها بل يدمنها هذا المجتمع بمختلف شرائحه وتعبيراته، خاصة وان المجتمع السعودي يأتي في طليعة أكثر الشعوب في العالم استخداماً وتفاعلاً بمواقع التواصل الاجتماعي؟. لن أدخل في جدل عقيم حول حقيقة ذلك، فالأمر يحتاج إلى دراسات وأبحاث واستبانات ومعلومات، وهي كما ذكرت غير متاحة وتكاد تكون غائبة، ويبدو أن الوقت قد حان لوجود مراكز وهيئات ومؤسسات رسمية وخاصة لتقوم برصد ودراسة وتحليل المجتمع السعودي بطرق علمية متخصصة لكي تُضخ كل الأرقام والإحصائيات والمعلومات والسلوكيات والقناعات والتوجهات والرغبات والتحولات والتطلعات والطموحات والقدرات التي تعكس واقع المجتمع السعودي في قناة الرؤية الطموحة 2030. المقال القادم، سيُحاول الإجابة قدر المستطاع عن السؤال/العنوان أعلاه: هل مواقع التواصل الاجتماعي تُمثلنا؟ [email protected]