إن العقل البشري قوة إدراكية مهمة وضرورية، أفاض الله الخالق بها علينا لنتمكن من خلالها من محاكمة الأشياء ومعرفة عللها وغاياتها، ونميز بها النافع والضار، فنقبِل على النافع ونتجنب الضار. ولعل بيت القصيد هنا هو كيفية الحكم على الأشياء بمدى فائدتها وضررها علينا؟. نستقبل في كل يوم آلاف الأفكار سواء أكانت من خلال الصور أو المقالات أو ما تُسمى باللغة الصامتة أو من خلال المسموع من كل حدبٍ وصوب. وتحتوي هذه الوافدات على عقولنا الغث والسمين تتطلب منا الفرز والتصنيف والحذف أو الاحتفاظ، وهي ليست بالعملية السهلة أبدأ ولكنها ضرورية لصيانة أنفسنا ومناعتنا الفكرية. تعتبر المناعة الفكرية من المواضيع الحيوية والمهمة خصوصا في ظل ما يشهده العالم من تغيرات وتفاعلات مكثفة بين العقول، خاصةً العقول الشابة. ما يدور في خاطر الشباب اليوم مختلف تماماً عما كان يدور في الأعوام الماضية. الأسئلة التي يسألها الشباب اليوم مختلفة والقناعات ما عادت تُلتهم بسهولة. ولهذا أصبح من المهم بمكان البدء الجاد في وضع إستراتيجية الأمن الفكري وتحصين مناعتهم ضد الأفكار المشبوهة. ولتكن هذه الإستراتيجية مبنية على إكساب الشباب مبادئ الحوار المتزن والهادئ، وأن الاختلاف هو سُنة كونية ولا تعني بالضرورة الكره والخِلاف. إضافةً إلى ذلك العمل على تعليم الشاب أن ثمة أساليب وطرقا حضارية متعددة، يمكننا من خلالها التعبير عما نعتقد والدفاع عنها وفي نفس الوقت الاستماع الجيد إلى آراء وأفكار الآخرين. ولكي نتمكن من تحصين عقولنا لا بد لنا من الاطلاع الجيد بطبيعة الحال. حيث لا تُدرك الأمور بحقيقتها الفعلية إلا إذا تواجد العقل ووجِدَ العلم والبصيرة، كما لا يستطيع عقل الإنسان أن يرى المشكلة إلا إذا توافرت لديه معرفة حقيقية وذات عمقٍ معين. ربما هذه العبارة تختصر لنا سبب ضياع الشباب وراء أيديولوجيات رخوة وبعيدة عن ديننا وعاداتنا هو الانقياد السهل خلف أفكار من هنا وهناك، فقيرة الجذر والأصل لا يتم مواجهتها بالمستوى المفترض وبالتالي تقود إلى ضياع الإنسان والأوطان. ينبغي على الشاب المسلم أن يجعل القرآن الكريم وسنة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- منهجه في الحياة، والمرجع الحيوي في كل شؤون الحياة. ويتوجب أن تكون مشاعر الفخر والاعتزاز بقيمنا الإسلامية الأصيلة أينما تواجدنا وأن نبرزها عن طريق احترامنا للآخر حتى وإن اختلف عنا. نحن في حاجة ماسة إلى تحصين عقولنا بالعلم والمعرفة لنتمكن من التعامل مع التحديات والمشكلات اليومية على اختلاف صعوبتها بمرونة ذهنية واقعية تعكس عظمة حضارتنا الإسلامية الأصيلة الثرية والسباقة. وهو ليس بالأمر الصعب أو المستحيل، فمتى ما توافرت العزيمة والهمة من روح الشباب سنتمكن من صنع المعجزات فتراثنا حافل بالنجاحات العظيمة.