الفتيل للقنبلة الموقوتة، فهو مِنْ أبرز وأخَطر المشاكل الاجتماعية في هذا الزمان، حيث إن خلو العقل مما ينفع ويفيد، وامتلاءه بما لا يفيد من التأثيرات الخارجية السلبية، والتأثر بأي فَكر آخر، وأي مَنهجَ غير إيجابي، بِغض النَظر عن محتوى هذا الفكر، وَدرجة صحته، وَموافقته للشريعةَ الإسلامية كارثة، فالعلاقة قد تكون تلازمية بين الفراغ بأنواعه السلبية، وما قد تنتهي إليه من ضياع. فالفراغ بالنسبة للحدث وحتى الشاب، قنبلة موقوتة، تحركها أصابع شيطانية ماهرة، هدفها تهيئة الطرق وتمهيدها للوصول لأهداف تضر بالفرد والمجتمع وغالباً ما تكون عواقبها وخيمة. وما سبب انجراف بعض الشباب للعمليات الإرهابية إلاّ المؤثرات السلبية الخارجية التي ترافقها اضطرابات نفسية وسلوكيات لم تجد من يقومها بالتوجيه، والاحتواء من الكبار ومن أسرهم، ومن مؤسسات مجتمعهم كلها. فالأسر الفاقدة للتربية والتنشئة الصحيحة، تفتقر الى المعايير والأدوار الاجتماعية السليمة والمسؤولية الاجتماعية، وتعتمد الأساليب غير التربوية، مثل القسوة، والتسلط، والتفريق في المعاملة مع أبنائها، أو عكسها بالتدليل، وتحقيق كل رغبات الأبناء، والأدهى والأمر تركهم يمارسون نشاطات سلبية دون رقابة، كمواقع التواصل الاجتماعي، والقنوات الفضائية وما يبث بعضها من أفكار هدامة. أيضاً للأسر المفككة دور كبير، وكذلك أصدقاء السوء، وتأثيرهم على الحدث، وتقمصه لشخصياتهم، وسلوكياتهم كلها عوامل هدم. فالشباب التائه غير المستقر، ضحية الإهمال والتربية القاصرة، خاصة في الفترة الحرجة من عمرهم، مرحلة المراهقة التي تولد ثورة نفسية وعقلية وعدم استقرار، يعبر عنها المراهق بسلوكيات غريبة وتصرفات أغرب، كالقيام بأعمال دون تفكير في العواقب، والخوض في تجارب، وإقحام نفسه في مجازفات تشكل خطراً ليس على حياته فحسب، بل على حياته وحياة الآخرين. تحذير: مكان قضاء وقت فراغ الشباب، ونوعية المشاركين فيه، عاملان من عوامل الانحراف والجريمة. فبناء على بعض الدراسات التي أُجريت في بعض الدول عن المنحرفين ثبت أن أغلبهم كانوا يشغلون وقت فراغهم في أماكن غير مناسبة وغير طبيعية، كالشوارع، والطرقات، ومع أشخاص مجهولين، لا تعرفهم العائلة، وغير معروفين اجتماعياً. إذاً السلوك الانحرافي يُكتسب، ولا يُورث، والآفة الكبرى الفراغ، وفراغ العقل والفكر مصيبة، وأشد فتكاً يجعل الحدث، وصغار الشباب لقمة سائغة، وهدفاً سهلاً للدعوات الهدامة التي تتقنع بقناع المبادئ والقيم، وهي عنه براء، لتحقق أغراضها. لذا وجب العمل بجدية من قبل الأسر للقضاء على مشكلة الفراغ، أولاً بالتثقيف الديني، والعلمي، وغرس القيم والمبادئ الإسلامية فيهم وحب الوطن منذ الصغر، ليكبروا ولديهم رصيد قوي، وسد مانع في وجه كل من يحاول غسل أدمغتهم، وثانياً يجب ملء جدولهم بالعديد من الأنشطة المفيدة، وإشباع حاجاتهم العلمية والعقلية، والانفعالية، لإكسابهم المزيد من الخبرات والمعارف والمهارات. فالفراغ الفكري قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أي وقت، والشباب أمانة في أعناقنا نحن الكبار.