قبول التعددية وتفاوت الناس بين قطبي الخير والشر دون موافقة الخطأ، ومع إضمار نية الإصلاح يقلِص كثيرا من المسافات والأبعاد النفسية. لست مجبرا على اختلاق عاطفة لا محل لها.. فيكفيك أن تتعامل بنبل ووفاء (ولا تنسوا الفضل بينكم)- البقرة:237-، وفي صحيح البخاري: عن عائشة -رضي الله عنها- أن زوج برِيرة عبد أسودُ يقالُ لهُ مغيث، كأنِي أنظرُ إليهِ يطوفُ خلفها يبكي ودُموعُهُ تسيلُ على لحيتِهِ، فقال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلم لعباسٍ: (يا عباسُ، ألا تعجب من حبِ مغيثٍ برِيرة، ومن بغضِ بريرة مغيثا). فقال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلم: (لو راجعتِهِ). قالت يا رسول اللهِ تأمُرُني؟ قال: (إنما أنا أشفعُ). قالت: لا حاجة لي فِيهِ.. المصدر: صحيح البخاري/ 5283. فلم يثرِب عليها رسول الله ولم يلُمها على قرار فراق زوجها المحب المتيم بها، بل قدم لنا أنموذجا رائعا قلما نحذو حذوه في احترام المشاعر وتفهم خبايا النفوس. الاسترضاء: طريقة تصلح فقط مع من نحتاج للتعامل معهم بالرغم من وجود مشاعر سلبية لديهم تجاهنا (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) -فصلت:34- ضبط المسافات: وهي حالة من التوازن الدينامي العاطفي تتحكم في التباعد أو التقارب بين الأشخاص بحسب ظروف واحتياجات الطرفين، بحيث تدع مجالا للتنفيس الحر فلا تكون علاقة خانقة معيقة للحرية. رمم ما استطعت: إما لدوام صلة فرضت عليك كالرحم، أو لمصلحة مشتركة تشمل عددا من الأطراف، أو لحاجة للتنازل عن شيء من الكبرياء مقابل مصلحة أعظم وأرجى، والمصالح تقدر بقدرها. وقد روت عائشة رضي الله عنها: (أنه استأذن على النبيِ صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ائذنوا له، فبِئس ابنُ العشيرة، أو بِئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام، فقلتُ له: يا رسول اللهِ، قلت ما قلت: ثم ألنت له في القولِ! فقال: أي عائشةُ، إن شر الناسِ منزلة عند اللهِ من تركه، أو ودعه الناسُ، اتقاء فُحشِه). صحيح البخاري -: 6054 ومحاولة ترميم العلاقات وإعادة بنائها فن يترفع عنه الكثير ولا يجيده إلا قلة ممن وهبهم الله حظا وافرا من سلامة الصدر وقسطا عاليا من السلام الداخلي، وكما كبيرا من التصالح مع الذات (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)- فصلت:35- وقد أحسن هلال بن العلاء وأجاد حين قال: إنِي أُحيِي عدُوِي عند رُؤيتِهِ لأدفع الشر عني بالتحِياتِ وأُظهِرُ البِشر للإنسانِ أُبغِضُهُ كأنما قد حشا قلِبي تحياتِ و لئن سألتني كيف ومتى أمارس هذا الفن؟! ومتى يكون الترميم خيارا سليما وقرارا صائبا؟! فسأجيبك: (استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك)..