الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإنه بعد اللقاء التحضيري للحوار الوطني، الذي انعقد في الرياض بتاريخ 14/10/1426ه، نقلت بعض الصحف عني أنني أرى تبديل لفظ (الكافر) بلفظ (غير المسلم) على الإطلاق، وتناقلته بعض المنتديات على الانترنت بصورة مغرضة، بدون أن يتحققوا عما نسب إليّ معرضين عن قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الآية وفي قراءة (فتثبتوا) «6 الحجرات». وتعقيباً عليه، أقول: أولاً: إن الكلام الذي نُقل لم ينقل حرفياً وإنما بتصرف، وفي الملتقى بعض المشايخ الفضلاء لم يعترضوا على وجهة النظر التي أبديتها. ثانياً: إن إيراد كلام الشيخ صالح الفوزان حفظه الله على أنه رد علي من التدليس، لأن كلامه حفظه الله كان رداً على من يريدون إلغاء وصف الكفر تماماً عن غير المسلمين وكان ذلك قبل عدة أشهر. ثالثاً: إن إطلاق لفظ (الكافر) على غير المسلم من يهودي أو نصراني أو مجوسي أو غيرهم، هو لفظ شرعي، جاء التعبير به في كتاب الله عز وجل وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ودرج عليه العلماء من زمن الصحابة رضوان الله عليهم إلى زماننا هذا. ولكنه يصح في بعض الأحيان استبدال هذا اللفظ بألفاظ أخرى كلفظ (غير المسلم)، وخاصة إذا كان يؤدي إلى مصلحة متحققة، كتأليف قلوب من نرجو إسلامهم، أو في حال دعوتهم إلى الإسلام. كما أن هذا الاستبدال في مواطن الدعوة أو المخاطبة لهم ليس من تمييع الدين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم تنازل في صلح الحديبية عن وصف نفسه بوصف الرسالة الذي وصفه به عز وجل من فوق سبع سماواته. بل تنازل عما هو أبلغ من ذلك، وهو تسمية الله تبارك وتعالى باسم الرحمن. وصنف البخاري في صحيحه باباً أسماه (باب كيف يكتب إلى أهل الكتاب) أورد فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وهو: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم.. الحديث، ولو كان يجب دائماً مخاطبة الكفار بلفظ كافر لما عدل عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب. والعدول عن بعض المسميات إلى ما يماثلها في المعنى بقصد المصلحة، هو مبدأ شرعي صحيح، وهو ما يسميه العلماء بالمداراة.. وفي الحديث (مُدَارَاةُ الناس صَدَقة) «صحيح ابن حبان ومجمع الزوائد والطبراني في الأوسط ومسند الشهاب وكنز العمال» وفي صحيح البخاري في كتاب الأدب باب المداراة (عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته «أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة.. أو بئس أخو العشيرة.. فلما دخلَ الانَ له الكلام.. فقلتُ له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه - أو وَدَعه - الناس أتقاء فُحشه). كما أن الله عز وجل أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في محكم التنزيل أن يخاطبهم بأهل الكتاب فقال تعالى {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} (64 آل عمران)، وفي حال المخاطبة لهم في القرآن يأتي بلفظ (يا أهل الكتاب) أو (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) فدل أنه لا يجب دائماً أن نخاطب الكافر بلفظ الكفر، وإن كنا نعتقد أنه كافر ونحكم عليه بالكفر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.