كل أزمة تواجهها المملكة، وتواجه صورتها في العالم، تقتضي التنويه بأننا بحاجة إلى تواجد دولي إعلامي، يليق بالثقل الذي نمثله، والدور الذي نقوم به في العالم. نعم بحاجة إلى حضور دولي قوي، وإلا سنقضي كل الوقت في مخاطبة أنفسنا، وكأننا نتحدث مع المرآة. الحديث مع المرآة هو السمة الغالبة لمعظم خططنا الإعلامية. تعتبر السعودية لاعبا إقليميا ودوليا مهما. لها ثقل واضح في العالم، ولها مساهمات ضخمة في معظم المنظمات الدولية، وعمليات التدخل الإنساني في طول العالم. يرى الباحث في العلاقات الدولية أن المملكة تمثل «القوة الإيجابية» في العالم، حيث تتدخل دائما لحفظ الاستقرار، وتعزيز العمل العالمي المشترك، تحت مظلة المجتمع الدولي. ورغم هذا الثقل إلا أنه ليس لدينا في الخارج ما يوازي هذا الدور، وهذا الحجم، بل حتى إذا قسنا تواجدنا الإعلامي بحجم استثماراتنا المالية في شركات العالم، فهو تواجد لا يكاد يذكر حجمه. الانهماك في حملات العالم الافتراضي لا يكفي، ولا يمكن أن يجعل منك قوة حقيقية وفاعلة على الأرض. وهذا يعيدني إلى النقطة الأساسية: إن الإعلام التقليدي أكثر حرفية، لكن الإعلام الجديد أقوى تسويقا، وفي حال جمعنا بين كل ميزة على الجانبين فإننا سنستطيع تكوين قوة إعلامية مؤثرة. لابد أن يكون التشجيع متوازيا على الضفتين لنصنع من إعلامنا قوة حقيقية تغير على الأرض، وليس في عالم غير مرئي. تمتلك السعودية الكثير من الكفاءات الإعلامية والثقافية القادرة على شرح وجهة نظر المملكة بعمق، وثقافة أمام العالم. لدينا من يستطيعون الكتابة في أعرق الصحف العالمية، ومن ينشرون في أهم دور النشر العالمية. إنني أتذكر استغرابي الشديد منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماي مدينة ستراسبورغ، في الريف الفرنسي المتاخم لألمانيا، خلال دورة سريعة لتعلم اللغة الفرنسية، وأنا أسمع عن عدم تواجد خليجي في هذه المدينة التي يحج إليها صناع البرلمانات في العالم الأوروبي. مدينة تجتمع فيها مئات القيادات الأوروبية، الذين يمثلون أكثر من ربع مليار من القارة الأهم في تاريخ العالم، ورغم ذلك لا وجود لنا. كنت أتمنى لو كان لدينا مراكز دراسات هدفها ربط الكفاءات السعودية، والمواهب المتوقعة، والموهوبين الفاعلين من مبتعثينا في المجتمعات الغربية، بالعالم، بطريقة تهتم بالتأثير المباشر، بدلا من الافتراضي، وتسهم في تغيير عشرات الأفكار المغلوطة عن المملكة. إن رسالتنا إلى العالم الغربي لابد أن تصل بالشكل الحقيقي لما تمثله المملكة، وطموح قيادتها. مملكة راغبة في تسخير ثروتها لمنفعة شعبها، وتطوير نسيجها الفكري، والاجتماعي، والمساهمة في استقرار الاقتصاد العالمي، وفتح المجال أمام الشراكات الإنسانية الهامة في مجالات الطب، والتقنية. دولة شابة، بقوة شابة تفتش عن دور لها في المستقبل. هناك من لا يرغبون في أن يروا قوة معتدلة في المنطقة، وهناك متطرفون يرون أن الحل هو تشجيع العنف وعداء الغرب، بيد أن السعودية منهمكة في التفكير في المستقبل بشكل أكبر.