من خلال معايشتي لقصص كثيرة لمشاكل الآباء مع أبنائهم جمعت ستة أسباب تؤدي لخسارة علاقة الأب مع أبنائه، وهذه الأسباب هي: أولها البخل، فعندما يكون الأب الميسور بخيلا على ابنه ولا يعطيه مصروفا أو يشتري له احتياجاته الأساسية من لباس وأدوات تعليم وترفيه وغيرها، وبالمقابل يرى الابن والده يصرف على نفسه في الأمور الضرورية والكمالية بإسراف شديد، فينشأ الابن كارها لوالده معتمدا على أمه أو جدته في المصروف أو أحيانا يلجأ للسرقة أو الأخذ من أصدقائه. والسبب الثاني هو: العنف، سواء كان العنف بالكلام من شتم واستهزاء وتهديد وتحقير أو العنف اليدوي من خلال الضرب مما يجعل الابن يهرب من المكان الذي يتواجد فيه والده، وكم من قصة عشتها لأبناء وبنات هربوا من بيوت آبائهم لهذا السبب، بالإضافة إلى الدمار النفسي لشخصيتهم بسبب كثرة الإهانات والضرب فتكون ثقتهم بأنفسهم مهزوزة ويبتعدون عن الأصدقاء ويميلون للانطوائية وبعضهم يصاب بأمراض نفسية. والسبب الثالث هو: سوء الأخلاق وخاصة أمام الأبناء وذلك عندما يشاهد الابن أباه في حالات الانحراف السلوكي مثل شرب الخمر والسكر أو العلاقات النسائية المحرمة أو لعب القمار أو تعاطي المخدرات أو مشاهدة الأفلام المخلة بالأدب وغيرها من السلوكيات الخاطئة، أو يشاهد عنده انحرافا في العقيدة مثل الإلحاد أو التحدث بأسلوب سيئ عن الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم. والسبب الرابع هو: جفاف المعاملة والكلام فيعامله بطريقة رسمية وكأنه في ثكنة عسكرية، فلا يظهر له العاطفة والحب والشفقة، ولا يشعره بأنه فخور به وأنه قرة عينه، وأذكر بالمناسبة في إحدى المحاضرات سألت الحضور وكلهم كانوا من الرجال، فقلت لهم: متى آخر مرة لمست ابنك؟ فاستغربوا من السؤال وكان بعضهم ينظر لبعض فأجاب البعض بأنهم لم يلمسوا أبناءهم في حياتهم، وبعضهم قال: لمست ولدي في العيد الماضي ويقصد من ثلاثة أشهر، وواحد أو اثنان قالا نحن نلمسهم ونلعب معهم دائما، فالعلاقة الجافة مدمرة وتساعد على بعد الأبناء عن آبائهم. والسبب الخامس هو: كثرة انشغال الأب وغيابه عن أبنائه أو بسبب كثرة سفره عنهم، وإذا رجع لبيته ورأى أبناءه لا يعوضهم ولا يجلس معهم ولا يتحدث إليهم أو يلعب معهم، فيكون غائبا في حياتهم أثناء غيابه، وغائبا كذلك أثناء حضوره معهم فهو الأب الحاضر الغائب، فلا يشعر الأبناء في مثل هذه الحالة بأي مودة أو محبة منهم تجاه والدهم. والسبب السادس هو: إهانة الأم وسوء معاملتها أمام الأبناء، ففي الغالب يتعاطف الأبناء مع أمهم بسبب ضعفها وقوة علاقتها بهم، فلهذا يخسر الآباء أبناءهم في حالة سوء معاملتهم لأمهم إما بكثرة ضربها أو إهانتها أو العصبية والصراخ عليها أو بعدم الإنفاق عليها، وهم يشاهدون أمهم كيف تتعب من أجلهم وتعمل من أجل أن تصرف عليهم، وأذكر قصة عشتها وهي أن رجلا طلق زوجته بعد عشرين سنة من الزواج وطلب من أبنائه الأربعة أن يذهبوا معه في البيت الذي يسكن فيه، فلم يذهب معه أحد بسبب مشاهدتهم لسوء معاملة أمهم وصرفها عليهم، وصاروا بعد الطلاق لا يسألون عنه وحتى في المناسبات والأعياد لا يسلمون عليه ولا يذهبون إليه بسبب كراهيتهم له، فهذه ستة أسباب رئيسية تساهم في خسارة الآباء لأبنائهم، وعكسها تماما تزيد من علاقة الآباء بأبنائهم. وكم من فتاة أعرفها تريد أن تعيش في الحياة من غير زوج بسبب ردة فعلها عما رأته في حياتها من سوء معاملة أبيها لها أو لأمها وإخوانها، فصارت تظن أن كل الرجال مثل أبيها وعزفت عن الزواج، وهذه من سلبيات ما ذكرنا من تصرف الآباء السيئ مع أبنائهم، فالأب ينبغي أن يكون نعمة لا نقمة ومصدر الأمان والحماية للأسرة لا مصدر تهديد وخوف ورعب.