أستثني من الكلام الآتي كل أعضاء هيئة التدريس من المعيدين والمحاضرين الذين يعملون في الجامعات بصفة دائمة، و إنما أوجه هذا الكلام لكل الطموحين الذين يرغبون في مواصلة الدراسة و الحصول على الشهادات العليا للحصول على لقب "دكتور" بكل جدارة و استحقاق. في واقع الحال إن تجربة دراسة الماجستير او الدكتوراه تجربة ثرية يتعلم خلالها الطالب الكثير، فبالاضافة الى غزارة المعلومة في موضوع البحث فإن تجربة الدراسة تمنحه تجربة في كل يوم من أيام دراسته، و إنك لو سألت الكثير من الأشخاص ممن خاضو هذه التجربة بحلوها و مرها عن مدى رغبتهم في إعادة هذه التجربة لو رجع بهم الزمن؛ لقال لك الكثير منهم نعم. هؤلاء الأشخاص في الغالب وفقوا للدراسة في جامعات متميزة تحوي كل ما يحتاجه الطالب من إمكانات مادية و تدريسية، و تكللت تجاربهم بالنجاح، ليرجعوا بعد ذلك إلى العمل في كنف جامعاتهم أو الجهات التي قامت بابتعاثهم، و لكن في جميع الأحوال سيرجعون ويجدون وظائفهم في انتظارهم، فلن يقوموا بالبحث عن عمل. كما أن من يوفق في أن يتم الدراسة بنجاح يكون قد أنهاها في وقت وهو لا يزالا شابا، لذلك حتى لو تطلب الأمر أن يبحث عن وظيفة فهو لا يزال في عنفوان شبابه الذي سيجعل من شأن البحث عن الوظيفة وهو يحمل شهادة دكتوراه أمرا ليس بالمستحيل. أما الراغبين في إكمال دراساتهم العليا وهم قد بلغوا من العمر أوسطه، و لديهم استقرار وظيفي و لديهم أسر مكونة من ثلة من الأبناء فهم موضوع هذا المقال. ليس ما أطرحه هنا انتقاصا لأحد أو إزدراء لطموحه، لكنها أفكار الأولى تكرك معظمها كما يبدو، و أجد نفسي مجبرا بأن أقدم هذا الاعتذار المبطن بسبب ما زرعه مجتمعنا في أنفسنا فيما يخص شهادة الدكتوراه أو بالأصح لقب دكتور، وكأن هذه الشهادة و هذا اللقب سيفتح لك خزائن من ذهب وفضة، بسبب الفرص الوظيفية التي لا تعد ولا تحصى والتي تتقاذفك بعد الحصول على الشهادة الكبيرة، و في واقع الحال يجب أن يدرك كل من تناصف في العمر و أراد أن يشد الرحال الى بلد الابتعاث، أن الدراسة الجادة تتطلب وقتا و جهدا معتبرين، وكل شخص سبق له الدراسة يدرك أن هناك مقدار كبير ومعتبر من التضحية التي تقدمها الاسرة من أجل تسهيل مهمة إنجاز الدراسة. وواقع الحال أن بعد إنتهاء الدراسة فإن هذا الدارس سيعود كهلا، وربما استفاد أبنائه من دراسته أكثر منه، سواء كان من ناحية اكتسابهم اللغة الاجنبية، أو إلحاقهم في البعثة، وهو الان مطالب بالبحث عن وظيفة أكاديمية في أحد الجامعات المجاورة لمقر إقامته الا أنه ربما يصدم بعدم وجود شواغر، فيتطلب الأمر منه الانتقال الى أحد الجامعات النائية مما سيسبب عدم استقرار آخر للاسرة، و حتى لو كان الأمر كذلك، و استقرت أمورهم، السؤال هو هل كان الحصول على هذا اللقب بعد الكهولة يستحق كل هذا العناء؟ هذا السؤال لن أجرؤ أن أجيب عليه بطبيعة الحال، ولكني أطمح في أن يتأمل ما طرحته هنا كل مستقر انتصف به العمر تدفعه رغبة شديدة "لاكمال الدراسة" ، مصطلح نستخدمه لتكريس مفهوم خاطئ، بأن ما لديك من تعليم ناقص لا يكتمل إلا بالشهادة الكبيرة. كما أننا يجب أن نذكر بعضنا بأن أحد أهم أهداف الدراسات العليا هي الاندماج في مجتمع أكاديمي فاعل يصقل مهاراتك البحثية و التحليلة يمكنك من خلاله مشاركة الأقران من الأكاديميين بأفكارك و كتاباتك، وهذا الشأن يجب أن يتثبت منه الراغب في إكمال دراسته إذا كان هذا الأمر يقع ضمن أهم أولوياته.