يقضي الحجاج هذه الأيام المباركة في التنقل بين المشاعر المقدسة، تغمرهم سعادة بالغة وهم يؤدون مناسك حجهم، والذي نسأل الله «عز وجل» أن يجعله حجًا مبرورًا للجميع، كما نسأل الله «عز وجل» أن يجعله حجًا آمنًا بعون الله، ثم بعون رجال الأمن الذين لا يألون جهدًا في تقديم كل ما لديهم من أجل راحة الحجاج وسلامتهم، ومن ذهب للحج فلا يمكن أن يفوته تفاني رجال الأمن في تأدية الواجب تجاه ضيوف الرحمن على مدى المشاعر المقدسة، ويساند رجال الأمن جيش من العاملين المخلصين في قطاعات مختلفة حريصة كل الحرص على سلامة الحجاج، ومن أهمّها القطاع الطبي الذي حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين أن يقدم أفضل الخدمات الطبية الممكنة لحجاج بيت الله الحرام، وفي كل عام تتحسّن الخدمات المقدّمة لضيوف الرحمن تحسنًا ملحوظًا وبشهادة الكثير من المسؤولين عن بعثات الحج الذين يتسنى لهم رؤية التطور في الخدمات عامًا بعد عام، وهذا كله بلا شك من قبيل الواجب القليل الذي يمكن أن يقدمه هذا البلد لضيوف الرحمن. ومن أهم القطاعات الخفية الناعمة والتي تؤدي دورًا فاعلًا في الحج هو القطاع التوعوي، هذا القطاع الذي أخذ على عاتقه مهمة توعية الحجاج في مجالات كثيرة من شأنها أن تيسّر للحاج مهمة تأدية المناسك بكل يُسر وسهولة، كما من شأنها أيضًا توعيته في أمور تحافظ على صحته وسلامته، ولكن إذا تصور الإنسان كمية اللغات وتعدد الخلفيات الثقافية للحجاج فسيدرك أنها ليست مهمة سهلة على الإطلاق، ومن الأمور المُعينة التي حتمًا يمكنها أن تيسّر مهمة التوعية في الحج هي التهيئة المسبقة للحاج قبل قدومه للمشاعر المقدسة، بحيث يعطى دورات تدريبية عن كيفية أداء مناسك الحج بكل يُسر وأمان، ونجد بالدليل القاطع أن بعثات الحج من الدول التي تستثمر في هذه الدورات التدريبية للحجاج من بلدانها هم أقل عُرضة لأي مشاكل قد تعود عليك بأضرار بسبب سوء التصرف أو قلة الوعي. في أحد التقارير الصحفية التي تابعتها عن الحج هذا العام تمّ التنويه عن سرعة تخليص إجراءات الحجاج في المطارات رغم كثرة عددهم، ويُعزى السبب في ذلك إلى أن الكثير من الإجراءات قد تمت في المطار قبل مغادرة الطائرة إلى المملكة؛ مما ساهم في سرعة الإنجاز وتيسير مهمة العاملين في قطاع الجوازات والجمارك وإعانتهم على تأدية مهامهم بكل تفان ويقظة، بهذا نجد أن التحضير المسبَق لشؤون الحجاج في بلدانهم هو العامل المشترك في تيسير الكثير من شؤون الحج وسلامة الحجاج. البلدان الإسلامية في جنوب شرق آسيا قد سبقت الكثير من الدول في هذا المجال، وكانت النتيجة حملات حج بالغة التنظيم، وحجاجًا يبهرونك حين تراهم يتحركون بكل رقي ورشاقة بين المشاعر المقدسة، على نقيض الفوضى العارمة التي تُحدثها بعض الحملات وكأنها في مهمة مقدسة لإحداث أكبر قدر من الضرر ظنًا منهم أن هذا الفعل أعظم أجرًا. توعية الحاج قبل قدومه للمشاعر المقدسة بالتأكيد سيُسهم في تيسير الحج على الجميع، وربما من السابق لأوانه الحديث عن عدم منح تصريح الحج إلا بشرط إتمام دورة تدريبية معتمدة عن الحج، لأن جعله شرطًا يعني أن منظومة التدريب قد اكتملت في كل البلدان المعنية، وهذا سيتطلب بعض الوقت، ولكن دعم الاستثمار في قطاع التدريب للحج في البلدان المختلفة سيكون له الأثر الإيجابي المباشر في القضاء على الكثير من الظواهر السلبية التي تصدر من بعض الحجاج بسبب قلة الوعي، لذلك فإن العمل على توعية الحجاج بما يضمن سلامتهم وسهولة حجهم قبل قدومهم إلى المشاعر المقدسة من الأولويات التي يجب أن تشجع عليها الدول التي لديها بعثات حج، خاصة الكبيرة منها، وهذا ليعود حجاج بيت الله الحرام إلى بلدانهم سالمين غانمين «بإذن الله».