ضرر محتوى الأجهزة الذكية على الأطفال أصبح من المسلمات في هذا الوقت، فلا يكاد يوجد منزل لا يعاني من مشكلة إفراط الأطفال في استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، إفراط يصل إلى مراحل مرضية تستدعي التدخل الطبي؛ بسبب ظهور الكثير من المظاهر الشبيهة بالإدمان على سلوك الأطفال، فنجد العزلة والانطواء، السهر وفقدان الشهية، ضعف التركيز واللا مبالاة، وغيرها من الأعراض التي لا تسر، وفي المقابل نجد عجزا ظاهرا من قبل الآباء في التعامل مع هذه الظاهرة الكارثية التي تنهش في بيوتهم من الداخل، وإذا زدت عليه أن الآباء أنفسهم مصابون بنفس الأعراض فالمصيبة أعظمُ. الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية داء انتشر في بقاع كثيرة من المعمورة، واختلف الكثير من المجتمعات في ردة فعلهم للتعامل مع هذا الداء، ولو أن التصرف الأفضل في رأيي هو منع الأطفال من استخدام الأجهزة الذكية جملة وتفصيلا، لأن المتأمل في أحوالها لا يجد الفائدة المرجوة منها، ولنترك الديباجة المملة بأنها سلاح ذو حدين، ونترك الكلام الوهمي بأن هناك فوائد عظيمة قد تزيد من ثقافة الطفل وغزارة معرفته، لأن الواضح أنها لم تزدهم إلا عتهًا وغباء، كيف لا، والساعات الطوال تقضى بين ألعاب سخيفة ومشاهدات تعزز سلوك الفوضى واللا مبالاة. فمن منا يذكر أن طفلا كان يتصفح موسوعة رقمية يقرأ فيها عن المجموعة الشمسية أو عن حيوانات القطب الشمالي؟ هذا على افتراض أنهم قاموا بتحميل تطبيق موسوعة رقمية من الأساس. واذكّر وأقول إن الآباء ليسوا بأفضل حالا من الأبناء. لكن من الواضح أن منع الأطفال من استخدام الأجهزة الذكية لن يكون ممكنا، لأن كلا الأبوين لديه شأن يلهيه عن القيام بمسؤولية الأب أو الأم، ومسؤولية التربية تقتضي الانتباه والتركيز الشديدين، صفتان لا يستطيع الآباء أو الأمهات أن يصرفوهما إلى تربية الأطفال في هذا الزمن، لأن مشتتات الذهن لديهم كثيرة جدا، واللهو بأجهزتهم أحد تلك المشتتات كما يبدو، لهذا السبب قام الكثير من المشتغلين في التقنية بابتكار بعض البرمجيات الرقابية التي من شأنها منع بعض المحتوى غير المرغوب فيه من الوصول إلى أجهزة الأطفال وتحديدا المحتوى الجنسي والعنف، إلا أنها محاولات خجولة لا تستطيع الصمود أمام تطور التقنية المتسارع!. وفي واقع الحال إن المحتوى البريء والمسالم الذي ينهمك الأطفال في مشاهدته لساعات طوال، سخيف إلى أبعد الحدود كما هو معلوم، ويكون هذا الطفل المهمل متلقيا لهذه السخافة المركزة والخلاقة لساعات طوال، وفي وقت الاستراحة لإعادة شحن الجهاز، ربما يعرج على فيلم كرتوني لا يقل محتواه سخافة مما سبق. كل هذا يحدث والأبوان في غفلة من أمرهما وهما على علم يقين بالضرر الشديد الذي يحدث لأطفالهما، ولكن منع الأطفال مما هم عليه يقتضي توفير البديل، وتوفير البدائل موضوع يتطلب من الأم والأب أن يقوما بمسئولياتهما ولكن كما قلنا إن لكل امرئ منهم شأنا يلهيه.