اعتقد ان ما تظهره الحياة غير كاف للفهم، فمهما كان المشهد واحدا يبقى لكل منا طريقته التلقائية بالتلقي والفهم والشعور. فمنذ الصغر وأحلام اليقظة تداعب عقولنا حتى جادت خيوطها الفوشية على عاتق الغارقين في هيامها؛ كل له احلامه، فهي المساحة الفارغة التي يحق لنا رسمها كيفما نشاء دون شرطي مرور، لكن احياناً يكون لمسها في الواقع معقدا بحجمٍ شاسع قد يستسلم لها التفكير دون توقف حتى تتناثر ثم تختلط لتصبح متشابكة دون هوية معلومة، لتجد فجأة تصطف طابورا ثنائيا مع ضحايا العاطلين! هذه المرة انا بعيدة كل البعد عن رتابة طرح القضايا او الكشف عن أرقامها الفلكية، أو البحث عن مسبباتها الخفية، فأنا لا أريد ان أجرح أنانية القطاعات الخاصة وسأطور متطلبات سوق العمل الذي هوى على عاتق كل طامح وقطعه إرباً إرباً، حتى أصبح يحصي نجوم الظهر ويحلم في «مشمش الوظيفة»! في مقالي هذا سأتحدث عن يوميات الفارغين الفارين من (سوادهم الاتعس)، الممزوجين بصوت ناي ينوح داخل فراغات أرحب ضحاياه على ظلام خانق ليس له آخر، ومستقبل ضبابي يسرق العمر معه، ويراكم العجز لقدراتهم التي تعطلت فجأة حتى ترهلت ثقافة اعتمادهم على النفس.. ليس هذا فقط، حتى ساعتهم أصابها شلل رباعي تحولت معه كل الأوقات الى توائم سيامية لا انفكاك يخلصها من تلك المعاناة، الساعة الواحدة ظهرا تشد بيد فراغ الخامسة مساءً هي الاخرى تتشبث بفراغ السابعة الذي توسع اكثر بفراغ اكبر وكأنهم يلعبون «فتحي يا وردة»، لكن ما تلبث الساعة السادسة تشكو الجوع ليخرسها بوجبة سناك علها تغمض معها الوردة قليلاً. انها أسباب متجذرة في أعماق الركود الذي يعيشه كل شاب عاطل عن الحياة، يلحقه بصحبة الفراغ الأعظم والتسكع في أروقة الطرقات او مسامرة (سيجارة) والتفكير في اللاشيء مع لهو قليل بالبلوت، او تمشيط الشوارع ذاتها وكأنهم يتأكدون من عدم تغيير مقاساتها. وهكذا حتى يحين موعد النوم هرباً من عجلة الذكرى المحزنة. لا نستطيع نكران كل ذلك انه حاضر بقوة، وبفراغات لهو متجددة تشعل معها أفواج العاطلين، حتى يأذن الله بيوم لا ريب فيه!. لم يكن ليشغفنا الفراغ لولا أننا أردنا أن نهزم عجزنا الذي كان سببه اغلاق الأبواب في وجوهنا تارة بعد الاخرى دون نهاية معلومة. ربما كان الاجدر ان نتعامل مع احلامنا بشكل صحي دون ربطها بأشخاص معينين او مكانة اجتماعية. اظن ان لحظة الاستعداد المهمة لها هي تحمل كل نتائجها، وانه لا يوجد اي مشكلة في الاستمرار حتى وان كان الوصول الى «اللاشيء» يكفينا شرف المحاولة ورغبة الوصول الى اليقين. فالعقرب عندما تحاصره النيران لا يلدغ نفسه، بل يجاهد لإيجاد مخرج للنجاة.