الحروب كما هي معروفة تثير الرعب أينما حدثت وما يجري في سوريا اليوم ليس استثناء، فعندما تكون الحرب محفوفة باليأس وانسداد الأفق، تصبح المعركة من أجل البقاء، وتحدث المفاجآت وتتبدل القناعات القديمة ويقود ذلك إلى تغيير غير متوقع في التفكير والمواقف. على بعد حوالي نصف ميل من الأراضي التي يسيطر عليها الإسرائيليون وفي إحدى القرى السورية يشاهد المرء عددا من الخيام مشتتة هنا وهناك بعضها كعريشة داخل البساتين وبعضها الآخر في شكل صناديق يعيش فيها سوريون فروا من هجوم عسكري يشنه عليهم نظامهم تحت مسمى قمع التمرد، حرب تأديبية دخلت عامها الثامن وما زالت مستمرة. وتناولت صحيفة «كريستيان سينس مونيتور»، ذلك في تقرير قالت فيه: على طول الحدود التي ظلت تفصل بين قوات الأسد والأخرى الإسرائيلية منذ عشرات السنين، تتوزع مئات الخيام والمقطورات التي تستخدم منازل، وهنا على أعتاب إسرائيل يوجد ما بين عشرة إلى اثني عشر ألف سوري أجبرهم النظام على النزوح على مقربة منها. أحد هؤلاء النازحين مدرس يدعى محمد (29 عاما) جاء إلى قرية البركة الحدودية بعد تعرض بلدته درعا معقل المتمردين التي بدأت منها الانتفاضة ضد نظام الأسد في 2011 لهجوم مكثف من القوات البرية والطائرات الحربية الروسية أواخر شهر يونيو الماضي. وأبرم اتفاق لوقف إطلاق نار بين النظام والمعارضين في منطقة درعا سمح بعودة بعض المدنيين إلى ديارهم. ولكن هجوم النظام تسبب في نزوح حوالي ثلاثمائة ألف شخص تدفق معظمهم إلى الأردن وإلى مرتفعات الجولان المحتلة. هؤلاء المدنيون السوريون أجبرهم بطش النظام على النظر إلى إسرائيل كملاذ آمن، وفي ذلك دليل على كيفية تأثير الحرب على تبديل مواقف المدنيين، فمنطقة الجولان الحدودية بدت لهم أكثر أمنا من وطنهم الذي لفظهم نظامه قتلا وتشريدا. وفي بلدة نهاريا الساحلية يجتهد الإسرائيليون لتعزيز علاقتهم الجديدة مع السوريين، ويعالج مركز الجليل الطبي الحالات المصابة، ويقول مدير قسم جراحة الرأس والعنق بالمستشفى: إذا كان بإمكاني تغيير مواقف السوريين فسأفعل ذلك، وسأعمل عليه لحاضري ومستقبل أطفالي.