يُنظر عادة إلى البنوك المركزية كمؤسسات محافظة للغاية حتى أن البعض يشبههم بسيارات عائلية تحظى بمستويات عالية من الأمان. ولكنها توجهت في السنوات الأخيرة نحو استثمارات محفوفة بالمخاطر. ففي جنيف يملك البنك الوطني السويسري الآن نحو 20% من احتياطياته في صورة أسهم أكثر من نصفها أمريكية وهي نسبة مرتفعة من حوالي 7% قبل عقد من الزمن. وفي طوكيو أصبح بنك اليابان المركزي لاعباً أساسياً في سوق الأسهم المحلي مع امتلاكه حالياً ما يقرب من 75% من سوق الصناديق اليابانية المتداولة في البورصة وقد ارتفعت هذه النسبة ايضا بشكل حاد في بضع سنوات فقط. وبحسب تقرير لوكالة أنباء رويترز، تقوم بنوك مركزية أخرى في أنحاء متفرقة من العالم منها البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي في جنوب إفريقيا بعمليات شراء مماثلة. ويؤكد التقرير أن إقبال البنوك المركزية على امتلاك نسب أسهم كبيرة تعد ظاهرة حديثة للغاية، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة المخاطر التي يحملها هذا الاتجاه غير المسبوق. ففي حالة اليابان فإن الدافع واضح، وهو دفع عجلة النمو الاقتصادي ولا سيما بعدما استنفد بنك اليابان بالفعل الكثير من الحوافز التقليدية مثل تخفيض أسعار الفائدة وشراء السندات. وعلى النقيض من ذلك يبدو أن بنك سويسرا يتصرف وبشراهة على نحو أشبه بمستثمر فردي. ومن دون علم العديد من المستثمرين الأمريكيين، فإن البنك الوطني السويسري هو مساهم رئيسي في شركات أمريكية معروفة مثل أمازون وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت. وبشكل عام فإن ما يزيد قليلا عن ربع سوق الأسهم الأمريكية مملوكة لمساهمين غير أمريكيين، ويحتفظ البنك السويسري بنسبة كبيرة منها. ويقر التقرير بأنه من المؤكد أن استراتيجية الاستثمار في الأسهم كان لها بعض الفوائد. فقد قفز سعر سهم البنك الوطني السويسري الذي يتم تداوله بعد سنوات عديدة من البقاء بالقرب من 1000 فرنك سويسري (1013 دولار) للسهم في السنوات الأخيرة إلى 8000 فرنك سويسري (8106 دولارات). ولفت التقرير الانتباه إلى أن فترة ارتفاع السعر تقريبا تتوافق مع الوقت الذي بدأ فيه البنك في شراء الأسهم بكميات كبيرة. وفي المقابل لم تسجل اليابان نجاحا جيدا على صعيد تحسن الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2018 بعد حوالي عامين من النمو ومع ذلك، فإن أسهم مصرفه المركزي تمتعت بسنة جيدة بزيادة بلغت نحو 20% منذ يناير الماضي. وتجدر الاشارة هنا إلى أن استراتيجية الأسهم لا تخلو من المخاطر رغم الايجابيات. فيمكن لأسواق الأسهم أن تهبط بسرعة كبيرة. وإذا كان ينظر إلى البنك المركزي على أنه في حالات الذعر سيتخلص من أسهمه فإنه يمكن بسهولة أن يسرع من مسار الهبوط في سوق الأسهم نظرا لضخامة ممتلكاته. ولكن الحقيقة أن العالم لم يشهد حتى الآن انخفاضا كبيرا في سوق الأسهم منذ باتت البنوك المركزية مساهما رئيسيا بها لأنه أثناء عمليات البيع تحاول البنوك عادة زيادة مستويات السيولة وليس تقليصها. ويضيف التقرير أنه على الرغم من عدم حدوث تباطؤ واسع في السوق، فقد تؤثر البنوك المركزية على أسعار الأسهم إذا قررت تخفيض مقتنياتها لأسباب أخرى مثل تقوية أو تخفيض قيمة عملتها الوطنية. وعلاوة على ذلك، ونظراً إلى أن البنوك المركزية يمكنها طباعة العملة، فإن فكرة تحويل الأموال الجديدة إلى أسهم ينذر بفقاعة محتملة للتضخم. ويقر التقرير بأن ملكية الأسهم لدى البنوك المركزية تحمل أيضا تعقيداً لتطبيق حوكمة الشركات. لأن البنك المركزي الذي يمتلك كمية كبيرة من الأسهم في شركة ما يتحمل نظريا بعض المسؤولية عن كيفية إدارة الشركة. ومن المرجح أن تؤدي فكرة مساهمة البنك المركزي في إدارة شركة بالقطاع الخاص ولو جزئياً إلى حدوث حالات تعارض المصالح، نظراً لكونها تتناقض مع الطريقة التي صاغت بها معظم الدول المتقدمة العلاقة بين الأسواق ومؤسسات الدولة خلال السنوات الأخيرة. ويخلص التقرير إلى أنه في الوقت الحالي لا يوجد شعور بوجود مشكلة في استراتيجيات الاسهم التي يتم اتباعها في سويسراواليابان لكن أسواق الأسهم لن ترتفع إلى الأبد. وقد يؤدي اي تراجع إلى خلق وضع شائك للغاية، حيث سيتعين على البنوك المركزية تصفية محافظها وساعتها سيكون من الصعب التنبؤ بالعواقب.