قدمت دراما رمضان لهذا العام عددا من القضايا المجتمعية، التي ينبغي تسليط الضوء عليها؛ لأنها في بعض جوانبها تطرح امتدادا تاريخيا لأحداث لا تزال باقية أو مؤثرة في الذاكرة الاجتماعية، كما أنها من منظور آخر مجهولة وغير معروفة لأجيال اليوم، ما يعني معالجات تستوعب اكتمال الصورة الاجتماعية وإبراز قيمة الفارق الزمني والمكاني في الرؤية الكلية للمحصلة الثقافية والفكرية للمتلقي، فذلك يجعله أمام بانوراما واسعة تمنحه قدرة أكبر على قراءة التطورات والمتغيرات، وهنا تكمن الرسالة الفنية. في أحد أكثر الأعمال الدرامية التي أثارت جدلا، وهو مسلسل «العاصوف» يمكن النظر إلى الحبكة والحوارات والمفارقات بصورة موضوعية بعيدا عن التأثيرات الفكرية المتطرفة التي يمكن أن تفسد تقييم هذه الدراما وتقصيها من أداء دورها الفني الذي يستهدف صناعة المفارقة في واقعين كان التالي فيهما نتيجة للأول، فالزمن السردي لحكاية «العاصوف» يعود إلى ما يعرف ب«زمن الطيبين» وهي فترة يؤرخ لها ما بين الستينيات والسبعينيات الميلادية، والمكان من صميم واقعنا في الرياض بحاراتها وزواياها العتيقة. تلك الفترة تزامنت مع فترة الطفرة والصحوة، وحدث فيها انتقال هائل في المنظومة الاجتماعية وانزياح واسع عما كان عليه الحال، في نمط الحياة وعلاقات الناس وعاداتهم وأعرافهم خاصة وأن العاصمة تختلف عن بقية المواقع الحضرية فهي أكثر تأثرا وتأثيرا في الأفراد، وما حدث في تصوير تلك المرحلة التاريخية الاجتماعية هو أن التجسيد كان دقيقا وفنيا بصورة أحدثت الصدمة فيما كان عليه الواقع حينها، رغم أن الناس كانوا يعيشون حياة طبيعية كبقية المجتمعات، وليس لديهم من ينغص عليهم مناسباتهم. هذا العمل لم يبتعد عن الواقع الجميل الذي كان عليه المجتمع في مرحلة تاريخية مهمة، ومتى أزحنا الموضوعية في النظر إلى تلك الدراما، تحدث عاصفة هوجاء تقلل من قيمته الفنية، ولكن المؤكد أن هذا المسلسل بداية لانطلاق الدراما السعودية في مرحلة تاريخية جديدة، فالتشريح الفني والإبداعي الذي تم فيه يحفز أجيال المبدعين لتقديم أعمال أكثر حرفية واحترافية، تعالج كثيرا من القضايا بمنهج فني ودرامي سليم، لأنهم لو استسلموا لأي نقد أو انتقاد غير موضوعي، وعاطفي ومشحون بقفز على الواقع فسيتم تقعيد الدراما السعودية ولن تواكب نظيرتها العربية والعالمية، وقد حسم «العاصوف» فكرة الانتقال إلى مستوى درامي جديد أكثر موضوعية وجرأة وإبداعا.