ثمة أناس لا يمكن أن تنساهم مهما تقدّم بك العمر، ومنهم مَن لا تذكر فضله إلا بعد أن تغيّبه يد المنون، من هؤلاء الأشخاص رجل احتل مكانة كبيرة في قلوب كل من عرفوه، وحظي باحترام شديد من كل من تعاملوا معه، وعاش في قلوب الناس بهي السمعة، حسن الذكر، رائع القول والعمل، لا يُذكر إلا ويُذكر معه الثناء العطر، لقاء ما قدّم من طيب الأعمال وجميل الأفعال، وفي الأثر (ما من أحد منكم يشهد له أربعة بالخير إلا أدخله الله الجنة).. فكيف بمن شهد له كل مَن عرفه.. بالخير والصلاح، هذا هو مبارك بن فهد السيف، من أعيان بلدة الجشة، الذي انتقل إلى جوار ربه في شهر شعبان من عام 1428ه وكان مجلسه عامرًا بلقاء الأهل والأصدقاء مساء كل يوم جمعة، وهي عادة حميدة سنّها الراحل غفر الله له، وأوصى على اتباعها بعد وفاته، وقد يسّر الله له مَن يقوم بهذه المهمة خير قيام وهو الابن البار له، خليفة الهلال، وعلى يديه استمرت هذه العادة طوال السنوات الماضية، إضافة إلى اللقاء الرمضاني الذي يضم عددًا أكبر من الأهل والأصدقاء في عشاء رمضاني حافل برجال أخيار، يحفظون المحبة، ويعترفون بالخير لأهله، ويذكرون المعروف وأصحابه، وكنا يوم الاثنين الماضي على موعد مع هذا اللقاء الذي نشرت جريدة (اليوم) صوره في عدد أمس الأول الخميس. مبارك بن فهد السيف من الشخصيات التي حملت لها ودًا كبيرًا ومحبة صادقة، واحترامًا شديدًا، وقد عرفته منذ كنت صغيرًا في بلدتي الجشة باعتباره أحد الشخصيات البارزة التي كنا نحمل لها تقديرًا لا يقل عن تقديرنا لآبائنا. مبارك بن فهد السيف من الشخصيات التي حملت لها ودًا كبيرًا ومحبة صادقة، واحترامًا شديدًا، وقد عرفته منذ كنت صغيرًا في بلدتي الجشة باعتباره أحد الشخصيات البارزة التي كنا نحمل لها تقديرًا لا يقل عن تقديرنا لآبائنا، وأذكر هنا موقفَين من مواقف كثيرة، تدل على أنه كان كريم النفس واليد، عفيف القلب واللسان، سخي البذل والعطاء. الموقف الأول.. كان من عادة أهل البلدة قراءة ختم القرآن على أرواح موتاهم في رمضان، فيما كان يُسمى (الختمة) ثم قراءة دعاء ختم القرآن في إحدي الليالي الأخيرة من الشهر الكريم، وكان الراحل ممن يحرصون على هذه العادة الرمضانية الجميلة، وقد استشار «رحمه الله» واحدًا من العاملين في المدرسة الابتدائية الوحيدة في البلدة هو خالد المعيويد «رحمه الله»، ليختار له اثنين من تلاميذ المدرسة ويكلفهما بختم القرآن، وقد اختار خالد المعيويد لهذه المهمة خليل الفزيع وصالح الشهاب، وكان سرورنا بذلك لا يوصف، لأن هذا الاختيار يعني لنا الكثير، أولًا لأنه يعني التميّز بين تلاميذ المدرسة، وثانيًا لأنه يعود علينا بمردود مادي كبير بمقاييس ذلك الزمان، وثالثًا والأهم.. الأكلات الرمضانية التي كنا نحظى بها بعد القراءة، فقد اشترط «رحمه الله» أن تكون القراءة في منزله بعد صلاة التراويح، وهو شرط لقي استجابة سريعة منا، لأنه يعني لذيذ الطعام والشراب بعد كل قراءة، وكنا نقرأ أكثر من (ختمة) في الشهر الكريم. والموقف الثاني شهدته عندما انتقلت للعمل في الدمام في بداية الستينيات الميلادية، وكان الراحل «رحمه الله» يملك مصنعًا للبلاط في الجهة الغربية من سوق الدمام الحالي، وفي إحدى زياراتي له وكنا في فصل الصيف بحرارته القاسية ورطوبته الشديدة.. وجدته غاضبًا، وفي حالة لم أعهده عليها، ولما سألت أحد العمال عن السبب قال: إن رئيس العمال تقاعس في توفير الماء البارد للعمال، لذلك نال الكثير من التوبيخ،. وقد أكبرت فيه هذا الموقف الإنساني النبيل الذي لم يكن مستغربًا منه. كيف لا وهو الرجل العصامي الذي بنى نفسه بنفسه. رحمه الله وأحسن مثواه، وأدخله فسيح جنانه. وما زلت كلما جاء ذكر الراحل مبارك بن فهد السيف أتذكر قول الشاعر: أمسي دفينا ولم تدفن مكارمه كالمسك يُطوى وعطرٌ منه ينتشر