أحد مكتشفات علم النفس العظيمة هو أن الدماغ ينقسم إلى أقسام، يؤدي التباين بين الوظائف البيولوجية فيها إلى صراع بينها. ولكي يكون الكائن إنسانًا لا بد أن يشعر بالانجذاب في اتجاهات مختلفة. فأحيانًا يتعجب المرء من عدم قدرته، وبطريقة مفزعة، على ضبط بعض أفعاله. وقد عبّر عن ذلك الشاعر الروماني العظيم أوفيد، بالرغم من أنه عاش في فترة يعتقد الناس فيها أن الأمراض تنشأ عن عدم توازن العناصر، لكنه عرف بما فيه الكفاية عن النفس البشرية، لكي يلوم نفسه على بعض الطباع قائلًا: إنني أنجذب بواسطة قوة غريبة جديدة. فالرغبة والعقل تشدان المرء في اتجاهات مختلفة. حيث أرى الطريق الصحيح وأعترف به، لكني أتبع الطريق الخطأ». ما الذي يربط بين هذه الظاهرة التي اكتشفها علماء النفس، وطوّرها السلوكيون إلى درجات متقدّمة وموضوع مسلسل عمر التليفزيوني؟ ما يربطها أن الناس في بلد شبه بكر فكريًا قد اتخذوا مناحي شتى؛ تتباين مرئياتهم فيها عما يقولونه ويسلكونه، وما يقتنعون به عقليًا، عما يرددونه لفظيًا، إلى حد وصلوا فيه إلى العجب العجاب. انقسم الناس المتناولون للظاهرة العمرية إلى فئات ثلاث: واحدة في وسائل الإعلام وعلى المنابر وفي المجالس، وهي الفئة التقليدية التي تسير في خط الرفض التقليدي لكل ما لم تعتد عليه. فهذه الفئة كالمعتاد تحذر من كل جديد، وتتصوّر أنه يأتي معه بما يقوّض بنى القناعات، التي يرونها جديرة بالحفاظ عليها كما هي. وما لم يعمله السابقون من قبل.وقد انقسم الناس المتناولون للظاهرة العمرية إلى فئات ثلاث: واحدة في وسائل الإعلام وعلى المنابر وفي المجالس، وهي الفئة التقليدية التي تسير في خط الرفض التقليدي لكل ما لم تعتد عليه. فهذه الفئة كالمعتاد تحذر من كل جديد، وتتصوّر أنه يأتي معه بما يقوّض بنى القناعات، التي يرونها جديرة بالحفاظ عليها كما هي. وما لم يعمله السابقون من قبل، فليس للاحقين الحق في سلوك طريقه. وقد ركّزت أدبياتها كثيرًا على شيطنة كل جديد، واحتوت أدعيتهم على التعوذ من التغيير من مثل: الله لا يغيّر علينا! وفي هذه الحال ذهب أفراد هذه الفئة يفتشون عن حجج لرفض تمثيل دور أحد الصحابة، بغض النظر عن محتوى المسلسل، وما يمكن أن يؤديه من دور في التعريف بشخصية عمر، التي هي أكبر من أن يحدّدوها في تصويره بشخصية درامية أو عدم تصويره. الفئة الثانية هي التي تحرّكت على الأرض في اتجاه لم يعتد عليه التيار السلفي التقليدي إلا في حالات نادرة جدًا؛ منها المقاومة المسلحة لبث التليفزيون السعودي في الستينات الميلادية، وحركات الإرهاب التي كانت تدعمها وتغذيها خلايا القاعدة في التسعينيات الميلادية. وهذه تتفق مع الفئة الثالثة بالسعي إلى فرض الرأي، سواء بالقوة وإظهار العضلات، كما تجتهد في ذلك هذه الفئة (مع علمها بعدم نظامية أي تجمهر في البلاد أو مظاهرات مهما كان سبب الدعوة إليها)، أو بالكلام التحريضي، كما تعمل الفئة الثالثة، التي تتكامل جهودها مع ما تصنع هذه المجموعة من إرهاب الفكر المعارض ومحاولات جرّ السلطات إلى التحوط بمنع ما يعارضونه، لئلا تحدث مصادمات على الأرض. وأخيرًا الفئة الثالثة هي جماعات الانترنت، وقد تميّزت هذه الفئة بعدوانية شديدة ولغة شاذة في التعامل مع كل مَن له رأي في القضية، لا يعجبهم أو يختلف عنهم قليلًا أو كثيرًا، أو حتى يدعو إلى عدم الربط بين الفن والتاريخ وبين الدراما وقصص التراث وأحداثه. أنقل بعضًا من الشواهد التي تؤكد شذوذ هذه الفئة في لغتها وفكرها: في وصف قنوات mbc بأنها تصدرت القنوات العربية في المجون من خلال عرض الأفلام والبرامج الخليعة.. وقال أحدهم: «ما دام المالكون لا يراعون مكانة وطنهم الدينية، ولا مشاعر إخوانهم المواطنين المتمسّكين بعقيدتهم (يعني أن غير المعارض للمسلسل ليس متمسكًا بعقيدته)، «أليس هذا تحريضًا ودعوة إلى العنف في مواجهة ما يسمونه إعلامًا فاسدًا يستهدف الوطن والدين والمجتمع؟ هذه الفئة لو ناقشت أحد أفرادها، لتحدث لك طويلًا عن حرية الرأي، ووجوب إفساح المجال للناس بالتعبير عما يريدون.. لكنه – في الواقع – يقصد بالناس زمرته التي لا تتعدّى نظرته إلى الكون حدودهم، والحرية التي يتوخاها هي أن يفرض ما يراه على الآخرين، وأن يرغمهم على الخضوع لما يظنه الطريق الصحيح والخيار الأمثل. هل يريدون أن يصبحوا «أعْمر من عمر»؟ عمر بن الخطاب مرّ بمراحل متعددة في حياته، لكن مرحلة خلافته لا تتفق مع ما يريدون؛ فهو يبحث عن الحق، حتى عند مَن يعارضه.. فهل يريدون تقليده في الجاهلية أو مرحلة إسلامه الأولى؟