تزايد الظهور الإعلامي لمسؤولين وملاك شركات إسمنت، يتباكون على منعهم من التصدير، ويدّعون أنهم يتعرضون لخسائر جسيمة بسبب هذا المنع، ومن يسمع تصريحات هؤلاء المسؤولين يشعر بأن شركات الإسمنت على شفا الإفلاس، وأن هذه الصناعة تتعرض لخطر جسيم يهددها ويهدد الاقتصاد الوطني، رغم أن الواقع يقول عكس ذلك تماما. عند الرجوع للقوائم المالية لشركات الإسمنت المدرجة في سوق الأسهم، يتبين أن هذه الشركات تحقق أرباحا فلكية، فمعدل ما تربحه هذه الشركات يزيد على 50بالمائة صافي ربح، وهي نسبة مرتفعة جدا، أقرب للخيال العلمي بالنسبة للمستثمرين، خاصة أنها صناعة قديمة وتنعدم فيها المخاطرة وتفتقد لأي استثمار تقني مرتفع أو إبداع، لكنها تعتمد بشكل كلي على الطاقة. إن من يحق له أن يبكي حاله، هو المواطن الذي يحاصره الاحتكار من كل اتجاه. فتجار الأراضي يقتصون جزءا ضخما من مدخراته ويدفع ما يزيد على 300بالمائة من السعر العادل للأراضي، والبنوك تقتص جزءا آخرإن ما تحصل عليه شركات الإسمنت من امتيازات يجعل من الشكوى التي تصدر منهم أمرا غير مبرر على الإطلاق. فهناك احتكار صريح لهذه الصناعة، حيث يكاد يستحيل حصول المستثمر على رخصة لمصنع إسمنت، ولا يدفع من يحصل على الرخصة أي امتيازات للحكومة مقابل استفادته من الموارد الطبيعية للبلد. كما تحصل هذه المصانع على طاقة رخيصة جدا تجعل من تكلفة إنتاج الإسمنت في مصانعها منخفضة جدا مقارنة ببقية المصانع المنافسة في دول العالم، بالإضافة للتمويلات السخية من صندوق التنمية الصناعي. المفارقة أن هذه الشركات التي تطالب الدولة بفتح باب التصدير وهو في الواقع تصدير للطاقة الرخيصة بشكل غير مباشر تمتنع عن زيادة إنتاجها محليا حتى لا ينخفض سعر الإسمنت. فالطاقة الإنتاجية الإجمالية لشركات الإسمنت لا تعمل إلا بأقل من 65بالمائة من سعتها، وفي الوقت الذي تضغط فيه وزارة التجارة على صغار الموزعين بتثبيت الأسعار عليهم، لا تقوم بأي إجراء لتقليل السعر من قبل المصانع ليستفيد المستهلك النهائي من هذا التخفيض. إن من يحق له أن يبكي حاله، هو المواطن الذي يحاصره الاحتكار من كل اتجاه. فتجار الأراضي يقتصون جزءا ضخما من مدخراته ويدفع ما يزيد على 300 بالمائة من السعر العادل للأراضي، والبنوك تقتص جزءا آخر، حيث يدفع المواطن ما يزيد على 100بالمائة خلال عشرين سنة تكلفة فوائد عند اقتراضه لبناء أو شراء منزل، مقارنة بإجمالي فوائد لا يتجاوز 50بالمائة في الولاياتالمتحدة لنفس المدة، وأخيرا يضطر لدفع قيمة تزيد على 50بالمائة من السعر العادل للإسمنت بسبب الاحتكار القائم في هذه الصناعة، ولو كانت هذه الصناعة غير محتكرة فإن التوفير قد يزيد على 100 ألف ريال من تكلفة بناء كل مسكن. إننا لا نسمع شعارات حرية السوق إلا عندما يتضرر عامة المواطنين، كما حدث عند انهيار سوق الأسهم، الأولى أن يتم تحرير السوق من هذه الاحتكارات التي تدمر الاقتصاد وتضر بشكل مباشر بمستوى معيشة المواطن. [email protected]