[نايف الأمن والأمان.. وداعاً] لم يكن نايف بن عبد العزيز، الذي نودعه إلى مثواه الأخير اليوم، مجرد ولي للعهد، ولم يكن مجرد وزير للداخلية، ولم يكن مجرد رجل الأمن الأول الذي تحمل بشجاعة وخلال العقد الماضي، مسؤولية مكافحة الإرهاب ومواجهة فلوله الضالة.. سعياً لتوفير مظلة الأمن والأمان للمواطن والمقيم. لم يكن نايف بن عبد العزيز.. سوى رجل من أعز الرجال، وقيمة من أسمى القيم، التي فقدناها بالأمس، رجل بمنظومة وطن، وإنسان بصدر الإنسانية الرّحب الذي يتسع للجميع ويبث ظلاله لكل الأرجاء.. وتمتد مآثره لا لتشمل كل بقعة في أرجاء وطننا فقط، بل يصل صداها إلى كافة أصقاع العالم، معبراً عن مملكة الإنسانية، وقادتها، وأفراد شعبها ومواطنيها. في المرّات العديدة، التي سمحت لي فيها الظروف، بالاقتراب من "نايف الخير" كنت وغيري من الإعلاميين أو المواطنين أو المسئولين، نتلمس في كلماته عمق الإيمان وشدة التوهج صلابة القدرة وسلاسة المقدرة، مشفوعة بقدر هائل من رحابة الصدر التي يعجز المرء عن وصفها.. للدرجة التي يشعر فيها الفرد أنه أمام نموذج لرجل دولة من الطراز الأول لا يتكرر. وما أسجله والرجل في رحاب ربّه الأعلى إلا شهادة للتاريخ الذي استطاع نايف بن عبد العزيز، أن يخلد اسمه فيه ضمن قادة بلادنا العظام بأحرفٍ من نور، ستظل مضيئة للأبد، ولا أستطيع في هذه اللحظات الأليمة إلا أن أعترف، بأن قدر الرجال لا يُعرف حقيقة إلا عندما يغيبون بأجسادهم من على الساحة، ولكن أرواحهم ستظل تحلق في ربوع الوطن الذي أحب، والثرى الذي عشق، والمواطن الذي اعتمد، فيما ستظل أعماله الخالدة باقية ما بقي التاريخ الحيّ شاهداً يجري بيننا. إن وطننا الذي يبكي فقيده الكبير، ليستذكر أنه كان مدرسةً وحده في الصمود والتحدي والإرادة.. انه سجل الشرف الذي لابد لكل من يقترب منه أن يكتسب شيئا نادراً ومتوهجاً في كل اللحظات والمحطات، يكفي أنه شمر عن زنده منذ اللحظة الأولى للعمليات الإرهابية ووقف مع أبنائه وجنوده في نفس الخندق، ليس لمواجهة الإرهاب بالقوة فحسب، ولكن بتعميق فلسفة النصح والإرشاد وفتح باب التوبة أمام الراغبين، فقدم بذلك مثلاً سعودياً رائعاً يحتذى في مواجهة عناصر الضلال والتضليل. اليوم ترجل الفارس.. وارتقى إلى العلا.. اليوم، نودعه، وعيوننا تدمع، وفي قلوبنا حسرة.. اليوم تعجز الكلمات عن تأبين نايف، وتتوقف الحروف على الشفاه، تتحجر الدموع في المآقي وهي تستذكر المصيبة وعظم الفاجعة، مكتفية بالاسترجاع الإيماني الصابر والمحتسب {إنا لله وإنا إليه راجعون} وعزاؤنا أنه إن شاء الله، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.