خيمت حالة من الهدوء الحذر صباح الثلاثاء على ميدان التحرير، عقب ليلة عصيبة قضتها مصر بعد إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والتى قضت بخوض الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق لجولة الإعادة يومي 16 و17 يونيو المقبل. وشهد الميدان الليلة قبل الماضية، حالة احتجاج عنيفة، من بعض القوى السياسية التي اعترضت على نتيجة الانتخابات، وطالبت بتطبيق قانون العزل على الفريق أحمد شفيق، ووصل الأمر إلى قيام أشخاص بإحراق مقر حملة شفيق بحي الدقي وتدميره تماماً، كما تم الاعتداء على مقار أخرى بالإسكندرية، ومحافظات مصرية. وعاش المصريون على أعصابهم طيلة ساعات بعد إعلان النتيجة، حيث كانت هناك إشارات تتردد، قبل الإعلان، بمحاولة تجنب الصدام وإقرار حل وسط، يتمثل في البحث عن مخرج قانوني يسمح لصاحب المركز الثالث حمدين صباحي بدخول المنافسة، لكن قرار اللجنة الرئاسية العليا أوقف التكهنات. دستورية العزل وبينما تتعلق الأنظار بيوم 12 يونيو المقبل، موعد النظر في دستورية قانون العزل، وتطبيقه على الفريق شفيق، وبالتالي إبعاده عن المنافسة تماماً، انشغل المصريون أيضاً عن متابعة القضية الأبرز، والمتهم فيها الرئيس السابق حسني مبارك ووليده ووزير داخليته حبيب العادلي ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، والمقرر الحكم فيها يوم السبت المقبل، ما يعني زيادة في تسخين الأجواء المقبلة، وتوتراً غير معهود، سواء بالحكم على مبارك، كما يطالب كثيرون، أو ببراءته كما تشير كل الدلائل القانونية.. الأمر الذي يدخل مصر في مجهول. بين نارين المصريون الذين وجدوا أنفسهم بين «النار والنار» كما يقولون، تناسوا أنهم أنفسهم هم من أشعلوا النيران، وجاءوا بشفيق ومرسي إلى مقدمة المشهد الرئاسي، في انتخابات شهد بها الجميع، وفرح بها المصريون أولاً ثم انقلبوا عليها. التكهنات التي تدور سراً وعلانية في القاهرة الآن، تتحدث عن طرق مسدودة في الأفق السياسي خلال الساعات الأخيرة، فيما اجتماعات محمومة بين مختلف التيارات السياسية استمرت حتى ما بعد منتصف الليل، دون أن تسفر على اتفاق واحد يجلو الموقف. الكارثة.. ستكون في حال إقرار قانون العزل على شفيق، وبالتالي إعادة الانتخابات مرة أخرى، ما يعني مد فترة بقاء المجلس العسكري في السلطة، وهو ما يرفضه كثيرون.. والكارثة، أنه في حال عدم تطبيق القانون، واستمرار شفيق في المنافسة، فهذا يرجّح احتمال وصوله للرئاسة، ما يعني تنفيذ القوى الثورية لتهديداتها بالنزول للشارع، والأخطر، أن يحدث ما هددت به تيارات سياسية وجماعات دينية باستخدام العنف. خيارات صعبة المجلس العسكري، الذي عملت (اليوم) أنه في حال اجتماعات مستمرة، لمتابعة الموقف، لم يرشح عنه شيء حتى الآن وإن كانت مصادر قد قالت، بشكل شخصي، إن هناك اتجاهين يسودان القيادات العليا: الأول: يتلخص في ترك الأمور تجري حتى تتضح موازين القوى (بمعنى فخار يكسر بعضه)، وأصحاب هذا الرأي يستندون في رأيهم إلى أن المجلس قرر وتمسك بموعد تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب، وأتاح العملية الديموقراطية دون تدخل، سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، ومع ذلك فبعض التيارات تعترض وتحتج وكأن الشعب لا يعجبه شيء.. وبالتالي ما الذي يفعله المجلس أكثر من ذلك؟، وهو الذي تحمل الكثير، ويريد العودة إلى ثكناته بعيداً عن هذا الصراع. الثاني: ويقوده بعض الصقور داخل المجلس، ويرون أنه لا بد من الإمساك بقوة بالبلد، وفرض الاستقرار ولو تطلب الأمر استخدام القوة، وإعلان الأحكام العرفية قبل أن تفلت الأمور وتغرق البلد في دوامة الفوضى، واستندوا في ذلك، إلى فشل كل السبل لاسترضاء القوى الثورية أو التيارات السياسية، التي تتعامل بوجهين. أحد القيادات العسكرية الرفيعة، اعترف لي شخصياً، بما يعانيه المجلس العسكري من تلون بعض الجماعات السياسية، وحدد منها الإخوان المسلمون، وقال بالحرف الواحد ل(اليوم): «إنهم يتفقون معنا في الاجتماعات ووراء الأبواب، ثم يخرجون على الهواء وينقضون كل ما اتفقوا عليه.. ويحرجوننا»! ورطة الفوضى الورطة السياسية الراهنة، ومواجهة مرسي/ شفيق، تجر البلاد إلى فوضى محتملة.. الإخوان فشلوا في تحقيق الاستقطاب اللازم ومحو الشكوك والريب المثيرة التي تدور حولهم، ومخاوف الكثيرين من الدولة الدينية، وتحقيق النموذج الإيراني يجعل الشارع المصري في حالة هلع، خاصة الأقليات المسيحية، والتيارات العلمانية والليبيرالية.من جهته، يعيش رئيس الوزراء السابق، والمرشح الحالي الفريق أحمد شفيق، أصعب أيامه السياسية، الرجل المحسوب على فلول النظام السابق لم ينس أن ميدان التحرير هو من أطاح به قبل عام ونصف، ورغم أنه استطاع التقدم من الصفوف الخلفية في واحدة من مفاجآت العيار الثقيل، ليصل إلى المركز الثاني، إلا أنه يواجه كابوس العزل، الذي سيقضي تماماً على مستقبله السياسي، ويبعده من الحلبة. الكارثة الكارثة.. ستكون في حال إقرار قانون العزل على شفيق، وبالتالي إعادة الانتخابات مرة أخرى، ما يعني مد فترة بقاء المجلس العسكري في السلطة، وهو ما يرفضه كثيرون.. والكارثة، أنه في حال عدم تطبيق القانون، واستمرار شفيق في المنافسة، فهذا يرجح احتمال وصوله للرئاسة، ما يعني تنفيذ القوى الثورية لتهديداتها بالنزول للشارع، والأخطر، أن يحدث ما نفذت به تيارات سياسية وجماعات دينية باستخدام العنف، ما يعني الانهيار الكامل لمجتمع على شفا الانهيار الفعلي. دعوات لاغتيال شفيق ليس هذا فقط، بل إن نشطاء سياسيين، مثل الناشطة سميرة إبراهيم، المعروفة إعلامياً باسم «بطلة كشف العذرية» دعت علناً لاغتيال شفيق، باعتباره الحل الأمثل والوحيد للموقف المتأزم الذي دخلت فيه البلاد بعد إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.. وقالت على حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «على جثتي تولي مرسي أو شفيق الرئاسة»، ومن شأن دعوات كتلك أن تفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات لا يعلمها إلا الله. (اليوم) من جهتها، حاولت الاتصال بالفريق شفيق، على هاتفه الخاص، بعد إحراق مقر حملته بالدقي، ولكنه لم يرد، ربما لاعتبارات أمنية، وإن كانت مصادر في حملته، أكدت تعرضها لتهديدات «غير محتملة» بل إن إحدى عضوات فريق حملته بالإسكندرية، صرخت على الهواء الليلة قبل الماضية وقالت: «إنهم يريدوننا أن نترك لهم البلد». مخاوف الانقلاب خبير استراتيجي وأمني تحتفظ (اليوم) باسمه لم ينف تخوفه، من أنه عند الوصول إلى هذه النقطة، أن يقرر الجيش القيام بانقلاب عسكري، يستعيد فيه زمام الأمور، ويلغي فيه العملية الديموقراطية بأكملها، وبالتالي تعود الأمور للمربع الأول. الخبير اعترف بأن المجلس العسكري في مأزق حقيقي، لأن حالة الانفلات الراهنة، إذا ما تفاقمت، فإنها قد تجر إلى ما هو أسوأ، وأضاف، أنه في ظل حالة الانقسام تلك، فإن الحلول معدومة، خاصة وأنه تم الاحتكام لصناديق الاقتراع الشعبية، وهي ذاتها من صنعت الوضع الذي لم يكن يتوقعه أحد. الحل الثالث الترجيحات التي دارت خلال الساعات الماضية، كانت تحلم بحل ثالث، غير مواجهة مرسي وشفيق، والحلول المقترحة كثيرة، ولكن كيف تتحقق.؟ أن يتنحى طرفا الأزمة (شفيق ومرسي) ويفسحا المجال عبر صيغة دستورية لرئيس توافقي. إبعاد شفيق بموجب العزل، ودخول حمدين صباحي مكانه، وبالتالي مواجهة إخوانية/ ثورية جديدة. تشكيل مجلس رئاسي، لفرة محددة وهو ما سبق طرحه ولكنه رفض من غالبية التيارات التي كانت تعتقد أنها ستصل لكرسي الحكم. إلغاء العملية الانتخابية، وإعادتها على أسس جديدة، وبالتالي تمتد الفترة الانتقالية وتطول مدة بقاء المجلس العسكري في الحكم. أن تحدد مهمة الرئيس المقبل بسنة واحدة فقط، يلملم فيها الأمور، ويقيم انتخابات برلمانية ورئاسية بعدها. وأخيراً.. أن يحكم الجيش قبضته على السلطة، ويلغي كل ما سبق، تمهيداً لسيناريو الانقلاب. ووسط كل ذلك، بعد أربعة أيام فقط، سيكون الحكم على مبارك، وهو وحده قنبلة موقوتة، لا نعرف من سينزع فتيلها في كل الأحوال؟!.