منذ أن بدأتُ أهتم بالأدب العربي ودرستُ فنونه وقواعده وأساسياته وقرأت مشاربه العديدة ،وأنا أعرف أن الشِّعر الملحمي أو الملحمة الشِّعرية هي عبارة عن أعمال شعرية بطوليّة قوميّة طويلة قد تصل إلى آلاف الأبيات وتختلط فيها الحقائق بالأساطير وخوارق الأمور والخرافات و تاريخ الأمم والشُّعوب وقضايا الموت والحياة والوجود والخلود. وهي وليدة عهود الفطرة والسذاجة حين كان الإنسان ينظر إلى الكون نظرةً أسطوريَّة ولا يعرف الموازين المنطقية كملحمة « جلجامش « العراقية وملحمتي اليونان «الإلياذة والأوديسا» لهوميروس وملحمة الفرس الشهيرة « الشاهنامة» للفردوسي الكبير وملحمة الرومان الإنيادة لفرجيل وملحمتي الهند: المهابهاراتا، والرومنايا، وحيث خلا أدبنا العربي من تلك الملاحم غير بعض القصائد الطوال ، وفي ظل ذاكرتي تلك باغتتنا الزميلة المشاكسة تركية العمري بكتيِّب صغير عنونته ب» ملاحم صغيرة « من إصدارات دار أثر في الدمام ،وقد حرصتُ على اقتنائه من معرض الرياض الدولي للكتاب ضمن مجموعة من الإصدارات التي كنت أتفقدها بين أرفف دور النشر وأجنحة الأندية الأدبية خلال دورته السادسة الأخيرة، الكتيب جاء في 96 صفحة من القطع ذات المقاس الصغير، وتتوهج على غلافه اللامع المتقن التصميم صورة الشاعر الوزير أو كما يحب البعض تسميته « الوزير الاستثناء « غازي القصيبي ،حيث خصصته العمري له بمقطوعات وجدانية ذاتية تأملية احترتُ في تصنيفها إلى أي جنس ٍ أدبي فني أنسبها ،غير أن العمرية أقحمتها شعرا ونسبتها لذلك الكائن المسكين الذي يتشرف بالانتساب إليه كل من هبَّ ودبّ. الغريب في الأمر أن تلك المقطوعات النثرية التي تمنيت لو أنها صُنّفت ضمن الخواطر الذاتية أو الوجدانيات النثرية أو ربما مقالات تأمُّلية تعبيرية قد جاءت حسب ذائقتي الفنية دون مستوى النَّثر الناضج والغريب في الأمر أن تلك المقطوعات النثرية التي تمنيت لو أنها صنفتها ضمن الخواطر الذاتية أو الوجدانيات النثرية أو ربما مقالات تأملية تعبيرية قد جاءت حسب ذائقتي الفنية دون مستوى النَّثر الناضج كيف به أن يصل لمصافي الشِّعر والملاحم. وفي اعتقادي أن العمريَّة لو تمهلت في الإصدار أو أجادت التصنيف الفني وانتظرت تمخُّض خواطرها أكثر لربما أفادتنا بما يخدم وزيرنا الاستثنائي ولا تتماوه في طرحها الفكري وتسيء إلى القصيبي دون أن تستشعر ذلك، فهذا مالا يقبله عشاق أبي يارا وأنا في مصافّهم ولا يخفى على القارىء أنها ربما نجحت في زركشة الكتيّب بمشاعرها الرقراقة تجاه أبي سهيل وفذلكت طرحها بعرضٍ دراميٍ لبعض أمكنة القصيبي كلندن وهونج كونج والنيل والبحرين والكويت مع الإشارات الومضية لبعض مؤلفاته كشقّة الحرية و ورود على ضفائر سناء وراحت تغدق عليه ألقابا وأوصافا شاعرية كفارس الشعراء العرب وسهيل الوزراء العرب ووزير الشموس العظيمة ومعالي الإنسان وشاعر الياسمين، غير أنها في النهاية أخفقت في مسارها الصحيح، كلّي أمل ألا يفسد هذا المقال ما بيننا من ودٍّ ولحظات جمال جمَعَنا فيها القدر .