الشعر النبطي تراث إنساني خاص بأهل الجزيرة العربية وما جاورها من الأقاليم في بوادي العراق والشام ومصر. وقد قدّم شعراء النبط منذ أقدم العصور قصائدهم وفق ما يتصورون من مواقف, وقد كتب القدماء ما يريدون قوله, ودوّنوا قصائدهم معتمدين على مشاعرهم الخاصة بهم ومواقفهم الذاتية التي تعنيهم, وذلك وفق ما كانوا يعيشونه من واقع فرض عليهم أنساقًا معيّنة من التعبير. غير أننا حينما نجيل التفكير في هذا التراث الشعبي الهائل الذي تركوه لنا يتوجب علينا ألا نقرأه وفق شروط مَن سبقونا, ولا ينبغي لنا أن نترك هذا العصر بما فيه من تقنيةٍ وحضارة وتسارع في المعلومات وعالم الاتصالات, وما نختزله من مشاعر وأحاسيس تعيشها ونتعايش معها بحُجة المحافظة على التراث, بل الواجب علينا قراءته وفق ما لدينا من معطيات حضارية وما نمتلك من أدواتٍ معرفية, لذا لا ينبغي لنا ترك كل هذه المنجزات التي حققتها البشرية من أجل أكذوبة معايشة التراث وإمكانية فهمه بالشكل الصحيح, وما علينا إلا استقدامه من الماضي لا الرحيل بأنفسنا وعقولنا ومشاعرنا إلى الماضي, وذلك حتى يكون الماضي متصلًا بالحاضر, والحاضر مطلًا على الماضي, وذلك حتى يكون الزمن ممتدًا لدينا ومفتوحًا معنا, وليست هناك فجوة حضارية أو نفسية فيما بيننا وبينه, وعندها نستطيع القول بكل مصداقية وشفافية إن الحاضر بوابة المستقبل, وعليه يمكننا الربط بين الأزمنة بعضها مع بعض, وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا تأملنا التراث ودرسناه وفق ما نؤمن به من معطيات حضارية ومعرفية تساعدنا على إعادة تكرير التراث لا إعادة تكراره بحجة ساذجة اسمها المحافظة على تراث الآباء والأجداد. [email protected]