جهود كبيرة تبذل في مجمع الأمل للصحة النفسية لنزلائه، خاصة لأولئك المرضى النفسيين الذين يتلقون الرعاية الطبية والتأهيل اللازمين داخل عيادات المستشفى، ومع مرور الوقت تسمح الحالة الصحية لهؤلاء المرضى بخروجهم، إلا أن بعض ذوي هؤلاء المرضى يرفضون استلام مرضاهم بحجة عدم القدرة على رعايتهم أو تحمل أعبائهم ومشاكلهم، وكردة فعل تلقائية تضطر إدارة المستشفى إلى تمديد فترة الرعاية لأجل غير مسمى، ومن المحتمل جدا أن يترتب على ذلك الكثير من المشكلات الاجتماعية فضلا عن الثمن الذي سوف يدفعه المستشفى مع غير قليل من الجهد والمال نظير تمديد الرعاية الطبية والتأهيل لنزلائهم القدامى الجدد.. مزيد من التفاصيل في هذه المادة: أرفض استلامه! شقيق أحد المرضى في مستشفى الأمل محمد. ع تحدث عن قصته مع شقيقه فيقول: «لا أستطيع أن أجعل شقيقي يعيش معي في المنزل، وذلك لأنني أخشى على أسرتي منه، كذلك فإن ظروفي المادية التي أعيشها والتي لا تسمح لي بأن أرعاه أو أتحمل مسئوليته، جعلتني أرفض استلامه من المستشفى عندما قررت إدارته الخروج عندما لاحظت تحسنا في حالته، والسبب كما ذكرت مسبقاً وأيضاً كي لا أكون في موضع المسئولية تجاهه عندما يصدر منه أي موقف يثير المشاكل مع أحد، لهذا أرى أن المستشفى هو المكان المناسب من جهة أنه يتلقى علاجه، ومن جهة أنه يشعر بأن له مكانا يحويه»، ويضيف محمد: «أخي مريض نفسيا ويعاني من انفصام في الشخصية منذ أن كان في سن 22 عاماً، وهو حالياً يبلغ من العمر 38 عاماً، وقد أصيب بهذا المرض منذ أن توفيت والدته وهو في ذلك العمر، حيث شعر بالوحدة، ولهذا فإن حالته غير مستقرة، وما زاد من تدهور وضعه الصحي وفاة والده، إذ أصبحت المسئول الوحيد بعدها عنه، على اعتبار أني الأكبر من اخوته، ولكني في الواقع غير قادر على احتضانه والاعتناء بصحته، ولهذا فإني رفضت استلامه من المستشفى، كما أن إدارة المستشفى طلبت مني أن أتعهد باستلام أخي بعدما أصبحت حالته الصحية جيدة، ولكني رفضت استلامه أو أن أنهي إجراءات خروجه، وعندما لم تجد إدارة المستشفى بدا من ذلك أبقته لديها لحين إيجاد حل ينهي هذه المشكلة». قريبي شخص لديه اضطرابات نفسية، وقد تخلى عنه اخوته بسبب المشاكل التي يجلبها لهم كما أنه يثير الفوضى مع الناس عندما يكون خارج أسوار المستشفى، وقد حدثت معه مواقف عديدة كانت نهايتها في مراكز الشرطة، ولهذا قرروا أن يبقوه في المستشفى، ولا يتم استلامه منه واقع مر أما خالد. ف قريب لأحد المرضى فيقول: «قريبي شخص لديه اضطرابات نفسية، وقد تخلى عنه اخوته بسبب المشاكل التي يجلبها لهم كما أنه يثير الفوضى مع الناس عندما يكون خارج أسوار المستشفى، وقد حدثت معه مواقف عديدة كانت نهايتها في مراكز الشرطة، ولهذا قرروا أن يبقوه في المستشفى، ولا يتم استلامه منه، كي يريحوا أنفسهم عناء مسئوليته»، وأضاف خالد: «في الواقع ما تعرض له قريبي هذا المريض من جفاء وحرمان عاطفي صادر عن إخوته، جعله يصبح أحد المشردين فترة من الزمن، ولهذا تراني أشفق على حالته، ولهذا أدعو الله تعالى أن يشفيه ولا يصيبنا ما أصابه ولا يجعلنا من الشامتين». عبدالعزيز عبدالرحمن فضل عدم ذكر اسمه كاملا، وتحدث عن أخيه الذي يرقد في المستشفى منذ قرابة 10 أعوام فقال: «لا يمكنني تحمل النفقات الباهظة لرعاية أخي في البيت، فأنا رجل ميسور الحال، ولدي أسرة تتكون من 14 فردا وهذا يجعلني عاجزاً عن تحمل مسئوليته، كذلك هو لا يستطيع رعاية نفسه، أيضاً جيراني في السابق عندما كان يعيش معي أصبحوا يتذمرون من وجوده بالقرب من منازلهم بسبب خروجه أكثر من مرة للشارع وإثارة المشاكل مع سكان الحي». معوّقات أما د. محمد عبدالحميد، أخصائي نفسي ويعمل في أحد المستشفيات الخاصة، فيقول حول محور التحقيق: «هناك معوّقات كثيرة يعرفها كل من يعمل في مجال الصحة النفسية، مثل ترك بعض الأسر لأبنائهم في المصحات وعدم أخذهم من المستشفيات النفسية، أو أن بعضهم يعطي عناوين وأرقام هواتف غير صحيحة حتى لا تستطيع المستشفيات النفسية الاتصال أو الوصول لذوي هؤلاء المرضى الذين تم تحسّنهم ويستطيعون الخروج والعيش مع عائلاتهم، والعائلات ترفض ذلك وتُلقي بالحمل على المستشفيات النفسية التي تئن تحت وطأة الضغط الكبير عليها لاستيعاب مرضى يحتاجون لأسرة يشغلها مرضى متعافون، ولكن عدم تعاون الأسر والعائلات مع من يُقدّمون الخدمات النفسية يجعل الأمر يزداد تعقيداً، ويُكبّل المسؤولين عن الخدمات النفسية من تقديم خدمات لأشخاص بحاجةٍ لهذه الأماكن المشغولة بسبب عدم التعاون بين الأسر والمستشفيات».
د. الزهراني: 40 مريضا رفض ذووهم استلامهم وجلهم من كبار السن من جهته تحدث المشرف العام على مجمع الأمل للصحة النفسية الدكتور محمد الزهراني أثناء زيارة «اليوم» للمجمع للتحقيق حول محور المادة فقال: «تم تشكيل لجنة مكونة من عدة جهات هي إمارة المنطقة الشرقية والشئون الاجتماعية والشرطة بالإضافة إلى إدارة المستشفى ودورها المتمثل بوضع ضوابط تلزم أسر المرضى النفسيين المنومين في المستشفى والذين يرفض ذووهم أو أقرباؤهم استلامهم، إذ تقوم هذه اللجنة والتي تجتمع نهاية كل شهر بالتواصل مع هذه الأسر، وإجبارهم على تحمل مسئولية مرضاهم، خاصة أن هناك مرضى يعتبر بقاؤهم في المستشفى زيادة من معاناتها، على اعتبار أن المستشفى غير مهيأ لذلك إذ تصل نسبة استيعاب المرضى فيه بحدود 160 سريرا، ولهذا نحن حريصون على خروجهم، حتى لا يفقدوا المهارات والتأهيل الذي اكتسبوه أثناء تلقيهم العلاج، وإن عدد المرضى النفسيين المنومين في المستشفى والذين يرفض ذووهم استلامهم حيث يصل عددهم نحو 40 مريضا جلهم من كبار السن، وذلك من إجمالي عدد المنومين في المستشفى من الجنسين والبالغ عددهم نحو 120 مريضا، وتبلغ نسبة الرجال منهم حوالي 70%، عندما يكون المسئول عن المريض النفسي ورعايته أخاه أو أحد أقاربه، تبدأ هنا معاناته الحقيقة سواء مع المرض أو مع محيط البيئة التي يعيشها، فكل المرضى في المستشفى ممن يرفض ذووهم استلامهم تنطبق عليهم هذه الظروف، والدليل أنه يوجد لدينا مرضى أمضوا قرابة 20 عاماً في المستشفى أهلهم يرفضون تحمل مسئولية رعايتهم»، وأضاف د. الزهراني: «يستقبل المستشفى الحالات التي يتم تحويلها من قبل الجهات الأمنية، والذين يتم القبض عليهم بموجب أنهم مشردون أو من المجهولين للهوية، ويتم التعامل معهم على أنهم مرضى ويحتاجون لتلقي العلاج والتأهيل في المستشفى، وقد صدرت موافقة وزارة الصحة على إنشاء دور لرعاية مرضى النفسيين والتي تعرف «بدار الإخاء»، وذلك في كل من مدينة الرياض ومكة والمنطقة الشرقية، وحالياً نقوم بالبحث عن مقر لإنشاء هذا المستشفى الذي سوف يخصص للمرضى الذين يعانون من أمراض واضطربات نفسية فقط «، وأشار د. الزهراني في معرض حديثه إلى قسم إزالة السموم من آثار المخدرات على اعتبار أنه أكثر أقسام المستشفى ازدحاماً من حيث عدد المرضى الذين يتلقون فيه العلاج، حيث يمضي المريض فترة لا تقل عن شهر، ومن ثم يتم نقله إلى قسم التأهيل، وذكر د. الزهراني في نهاية حديثه حول آخر إحصائية صادرة من المستشفى فقال: «عدد المنومين في المستشفى بسبب الأمراض النفسية من بداية عام 1430ه حتى نهاية 1432ه بلغ حوالي 5618 حالة من السعوديين، ومن الخليجيين بلغ عددها 807 حالات، أما حالات الإدمان على المخدرات فقد بلغ عدد السعوديين فيها حوالي 19824حالة، ومن الخليجيين حوالي 1524 حالة، أما حالات الإدمان على المخدرات لدى النساء والمنومين في المستشفى خلال العام الفائت فقد بلغ حوالي 8 حالات، ومع بداية العام الحالي لم يتم تسجيل سوى حالة واحدة، كما أن عدد المنومين في المستشفى بسبب الإدمان على المخدرات من الجنسين حالياً وصل إلى حوالي 148 حالة».