مشكلتنا الأزلية أننا لا نجيد فن الوسطية عند الانتصار أو الإخفاق، وهذه المعضلة ليست وليدة اللحظة، بل هي داء مزمن نعانيه بمختلف انتماءاتنا. فالفوضى التي يفتعلها أهل الدار، أعنف بكثير من تلك الأزمات التي تأتي من خارج الأسوار، فهم يجعلون من الحبة قبة حتى تمتد في ساحتهم وتحرق الأخضر واليابس. الأدهى أن كل الذين يوجهون سهام النقد اللاذع حاليا هم مَنْ شجعوا حالة الفوضى من قبل، وكانوا يتفاخرون بها، أعماهم عن التفكير ولو للحظة عن المستقبل حتى وقع الفأس في الرأس. النقد أصبح محطة معقدة ومتشعبة.. لذلك يتطلب منا النظر إلى المسألة باستبصار أكثر.. ومقاربة الموضوع بزوايا متعددة.. لأن الأصل فيها «الطاسة» ضائعة.. والتقليد نهج متخبط.. والسهام توجه للضعيف أو الجدار الهبيط.. دون أن تمس الجهات المعنية بالقرار بأي نقد حتى لو كان ناعما.. أو حتى تطبيلا مخففا. نستعرض عضلاتنا على الضعيف ولا بأس بذلك لأنهم في سياق اللعبة.. واصابع تحيد عن المنطق.. لكن نغمض أعيننا عن أصل الحقيقة.. وعن خارطة الطريق للوصول لبحرها وبرها ومنتجعاتها.. وشوارعها غير المرصوفة.. ومبانيها المتهالكة. تلك الخريطة التي تدلنا على المحطة الكهربائية لتوليد طاقة التعامل باحترافية.. هي الأصل والأساس.. فما يخرج منها من وقود لا يكفي أبدا لإضاءة الطريق المبرمج نحو تحقيق الأهداف المعلنة.. وهو وجود ما يفي بالاحتياجات الأولية.. لذلك تتوهج هذه الإضاءة تارة.. وتختفي في أحيان كثيرة بدون «فلسفة زائدة». كل الذهنيات تتفتق بالنقد والتحليل دائما من زاوية واحدة دون أن تتطرق لأصل المشكلة. باختصار نحن بحاجة للغة الوسطية على جميع المستويات الآن، فالمطلوب إعادة العربة لسكة التصحيح لحل العديد من المعضلات. هذا الخلل في الأصل يفتح لنا قواعد المشكلة بوضوح تام.. وما دام الأساس في البنيان مترهلا.. فمن الطبيعي جدا أن يكون ما فوقه متصدعا وقابلا للسقوط في أي لحظة.. وهذه حقيقة علمية في جميع المجالات. دعونا نحمل بقايا شمعة أمل في مدننا الحالمة ونبدأ من الصفر سعيا للنجاح، ولا نتصارع على حلبة وسائل الإعلام ولا ينسب أي شخص منا الإنجاز لنفسه، فالعمل لا بد ان يكون منهج حياة أكثر من الكلام، اذا كنا حقا نريد اعادة العربة الى المسار الصحيح لنحقق النجاح الذي نصبو اليه بدرجة امتياز من أجل اعتلاء الهرم.