السؤال هنا عن الكتاب بمعناه ومدلولاته الحقيقية. مدلولات الروح والمضمون والأثر الباقي في أذهان الناس من الأفكار والدوائر المفتوحة والمغلقة التي يتركها الكاتب في ذهن القارئ. الكتاب أداة تفكير وتحريض وليس قرطاسا وحبرا وصورة كما هي حال أغلب كتبنا العربية في هذا الزمان. لم يكن الكتاب في يوم من الأيام صورة لشاب وسيم على الغلاف يُحدث المراهقات بسذاجة وسطحية عن أحاسيس الليل وخيالاته. وليس الكتاب بقايا حمامة عابرة مما يسمى شعرا وهو لا يعدو كونه نقاطا فوق حروف بلهاء لا معنى لها ولا شعور يكتنفها ولا حالة تجلي يشي بها. وليس، أيضا، مجموعة خواطر كتبت الظهر وطبعت بعد العصر. دعوهم ينشرون، نعم، لكن لا تسموا ما ينشرونه كتبا ولا تسموا الدور التي تنشر لهم دور نشر للكتاب. سموا هذه الدور بقالات لبيع الألعاب، وسموا هذه الظواهر الحرفية الغريبة أي شيء: قراطيس أو تفاريح، أو مصائب بألوان وأشكال فرائحية متعددة. حين تقف في أي معرض عربي للكتاب تهولك كمية الغثاء (الجديد) الذي يسوق للناس على أنه فكر وثقافة. وتهولك أكثر تسمية مؤلفي هذه القراطيس أو التفاريح بالمفكرين والمثقفين الذين يحتلون منصات التوقيع ليبصموا على ما يسمونه كتبا وكأنهم يبصمون على لون زماننا وطعمه وطبيعته. الغريب أننا نراقب بطوننا حتى لا يدخلها طعام فاسد يسممها ويعرضنا للخطر، فكيف نترك أدمغتنا تبتلع هذا الكم الهائل من التفاهات والسماجات والسموم.؟! هناك أسئلة لا حصر لها أمام هذا الغثاء المتنامي. وكلها أسئلة بلا إجابات خاصة ذلك السؤال الكبير عن تغير ذوق الناس ووعيهم.؟!