لم يخل معرض الكتاب في هذا العام من الانتقادات التي طالت المحتوى لبعض الكتب المعروضة والتي قسمت رواده إلى قسمين: الأول يرفض مصادرة حق النشر لكل من يرغب بذلك ويرمي إلى انتهاء زمن الوصاية، والثاني يرى فيها اختراقا للذوق العام يبشر بانهيار ثقافي قادم إن استمر الأمر. فقد احتدم النقاش حتى طغى على كل وسائل التواصل الاجتماعي إذ شارك فيه القارئ العادي والكاتب أو المفكر الكبير، وللأسف لم تخل النقاشات وتبادل الآراء من ألفاظ أبعد ما تكون عن الرقي في طرق الحديث ونقل الفكرة، والأعظم أننا نجدها تخرج من أفواه بعض من يدعون أنهم تخرجوا من مدرسة الأخلاق الفاضلة، أو أصحاب كتب طالما تحدثوا فيها عن تقبل الرأي الآخر وأهمية إعطاء الفرص. لقد كان النقد على ركيزتين أساسيتين هما: صغر سن بعض الكُتاب، والمحتوى الفارغ، وهناك من أسند انتقاده على أن الأصفهاني مثلا مكث 40 سنة قبل أن يُخرج لنا كتاب «الأغاني»، وابن حجر مكث 20 سنة قبل أن يخرج كتاب «فتح الباري»، والكثير من الكتاب الفطاحل الذين اعتزلوا الناس واعتكفوا على الكتابة وآخرون لم يكتبوا إلا في سن متقدمة حتى يكتسبوا الخبرة أكثر. فكان الوصف لبعض كُتابنا الجدد أنهم أعدموا هيبة الكتب، واستباحوا بذلك قداستها، وشوهوا كينونتها التي أصبحت مادة للشهرة قبل أن تكون لنشر محتوى هادف ومخاطبة العقول لا الأضواء. فهناك من ذاع صيته في وسائل التواصل الاجتماعي بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمه و«ختم» كل المنابر الإعلامية ولم يتبق له سوى منبر الكتب فاعتلاه، ومن المؤسف أن بعض دور النشر تتسابق لوضع صور المشاهير على أغلفة كتبها، وعزز الأمر وسائل الإعلام الأخرى التي تسارعت لعمل لقاءات واسعة النطاق مع هؤلاء الكُتاب ولم نر ذات الشيء مع كُتاب آخرين اتفق الجميع على ما قدموه من محتوى يمزج بين وضوح الفائدة وجمالية الطرح!. إنه لأمر صحي أن تكون هذه الاختلافات وتبادل الآراء، شرط أن لا تتعارض مع رقي الكلمة واحترام الآخر، وأنا شخصيا، وإن كنت أميل إلى اختزال الكتابة لمن لديه ما يقدم فعلا، ويرى أنه قادر على ذلك بتزكية من أصحاب الأسبقية أكثر من أن يكتفي بتزكية نفسه، إلا أني أرفض قمع حرية الآخرين وفرض وجهة نظري، كما أرفض أن أكون حجر عثرة في طريق من قد يكون أفضل من كبار الكتُاب في يوم من الأيام لو تم توجيهه بشكل صحيح، خصوصا أن لديه جمهورا يتأثر به أكثر من أي كاتب آخر تخطى الخمسين وكل صفحة من كتابه تحوي الكثير من الفوائد ولكن لم يقرأ له أحد!.