الكل يعلم أن حرية الرأي محدودة في بلادنا العربية، لكن هذا الأمر يبدو أنه يقتصر على عالم السياسة في الوقت الراهن؛ فمع سطوة الإعلام التقليدي وانتصار الإعلام الجديد للفئات المغيبة عن المشاركة في الصحف والتليفزيون والإذاعة، ظهرت لنا تجاوزات لا يمكن السكوت عليها، إذ نرى في الآونة الأخيرة حربا عارمة يقودها تياران متنازعان ومعروفان، فهذا يرمي خصمه بحجر وهذا يردها له بأسرع منه وبنفس القوة. غريب فعلا.. لا احترام ولا مصداقية حتى أصبح الصراع شخصيا أكثر من كونه فكريا أو موضوعيا، فالكل يعتد برأيه ولا يحيد عنه. المرء حين يكتب لا بد أن يلتزم بآداب الكتابة، وأولها أن يحترم الرأي الآخر، وأن يكون النقاش في إطار المضمون، لكن الحاصل أن النقاش تعدى ذلك وتجاوزه ليصل إلى المستوى الشخصي. للأسف الشديد أصبحت العدوانية سلوكا كتابيا ينتهجه هؤلاء، وأصبح المثل العامي القائل «قابل الصياح بالصياح تسلم» قاعدة هجومية يتسلحون بها! منابرنا الإلكترونية أصبحت مرتعا لبعض الكتاب ووسيلة لتحقيق أهدافهم.. فمثل هؤلاء أصبحوا يمثلون أصواتنا وأفكارنا خارج الحدود، فنحن في عالم مفتوح. وإذا أردنا أن نرتقي ونصنع الأجيال، لا بد أن نحترم الرأي الآخر بغض النظر عن مدى اختلافه عن فكرنا أو نظرتنا. انفتاحنا قد يضيف لنا آفاقا واسعة فوق التي كنا نتصورها، واحترامنا لذاتنا أولا وللآخرين ثانيا دليل على سعينا الحثيث إلى نشر ثقافة أن «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» وأن كل فرد له فكره وله رأي ليس بالضرورة يتبعه الآخرون أو يؤيدونه، المهم أن يتفهموا حاجته لطرح فكرته ومناقشتها في إطار شامل دون تعد أو تدخل أو حتى محاولة التقليل منها. أكثر ما أخافه أن يصبح الفقر الأخلاقي عند بعض الكتاب عدوى انتقالية، تخرج من أحدهم لتنتقل إلى الآخر، والسبب كله صمتنا ووقوفنا متفرجين متحمسين للمشهد الأخير، أو مصفقين أحيانا.