إذا كانت أوروبا الغربية تريد الحفاظ على خصائصها الاجتماعية، فسوف يكون الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى المزيد من العمال. فلا يوجد مكان في العالم لديه عدد كبير من السكان الأكبر سناً ولا ينجب أطفالا كدول أوروبا. وتقول مجلة «فوربس» الأمريكية: إنه لا عجب في أن صانعي السياسة يفعلون ما بوسعهم لتشجيع الهجرة ولا سيما وأن أوروبا الشرقية قد باتت أكبر سناً وباتت تشبه إلى حد كبير بريطانيا التي تمر بأزمة منتصف العمر فحاليًا متوسط العمر بها نحو أربعين عاما. ومع توقع أن تصل معدلات الخصوبة إلى الصفر في أوروبا خلال العقد المقبل، فإن الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الاتحاد الأوروبي التصدي للفقر المتفشي بين كبار السن والحفاظ على برامج الرعاية الخاصة باهظة التكلفة هي فتح أبواب الهجرة، وتشجيع الإنجاب بين الأزواج الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً. ولا يمكن لأوروبا مواصلة الاعتماد على عمالة الشطر الشرقي منها والتي أدت إلى انخفاض الأجور في المدن الصناعية. والحقيقة أن أوروبا الغربية حصلت على قوة عاملة متعلمة لديها تاريخ طويل من العادات الأوروبية لكن الشيء الوحيد الذي لم تحصل عليه من دول حلف وارسو القديم هو الشباب. ويشير التقرير إلى أن متوسط العمر في بولندا يبلغ 40.3 عام، وجمهورية التشيك 41.7 عاما وفي ليتوانيا أكبر من ذلك بكثير بحوالي 43.4 عاما. وعلى الرغم من حقيقة أن الكثير من الشباب الأقل من 40 عاما انتقلوا من دول البلطيق إلى مدن غربية أوروبية أكثر ثراء مثل لندن وستوكهولم إلا أن متوسط العمر في السويد لا يزال أعلى من الولاياتالمتحدة بحيث وصل إلى 41.2 عاما. وينوه التقرير إلى أن المهاجرين يقدمون من دول تعاني صراعات رهيبة مثل العراق وليبيا فيبلغ متوسط العمر في الأولى 19 عاماً وفي الثانية 24 عاماً، وهم يشكلون الحل المناسب لجلب عمالة صغيرة السن لأي بلد أوروبي، فبدون عملهم سواء في المستشفيات أو كعاملين في مجال النقل العام ستكون خطة التقاعد الألمانية على سبيل المثال في ورطة وفقا لبيانات بنك التسويات الدولية. والمعلوم أن النمو السكاني العالمي في عام 2040 سيرتفع فقط بسبب أقل المناطق في النمو الاقتصادي على وجه الأرض وبالتحديد أفريقيا، حيث سيكون معدل النمو السكاني أعلى خلال السنوات العشرين القادمة. ويقول التقرير: إن البلدان التي يوجد فيها مزيج من الحروب القبلية والدينية تعاني إلى جانب الكوارث الطبيعية من ظروف العمل الصعبة، حيث يعيش الناس على أقل من دولار واحد في اليوم. ويفسر ذلك وفقا للعديد من منظمات حقوق الإنسان أن البلدان الفقيرة في إفريقيا مثل إثيوبيا والكونغو تستقبل عددًا أكبر من اللاجئين مقارنة بالولاياتالمتحدة وأوروبا لأنها قريبة منهم ويسيرون عبر الحدود بكل شيء يمتلكونه على ظهورهم. أما الأكثر حظاً منهم فينتقلون إلى أوروبا. وأدى استغلال الأحزاب لقضية اللاجئين انتخابياً إلى خلق اضطرابات سياسية، فقد كشف تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن وجود انقسام ديموجرافي في أوروبا، فبينما اختار الناخبون في منتصف العمر والأكبر سنا الخروج من السوق المشتركة اختارت الشرائح الأصغر من السكان البقاء. ولكن التصويت بنعم أو لا لم يخضع لحسابات عقلية 100% بل حجج عاطفية ترسخت جراء الخطابات السياسية المعادية أوالموالية للمهاجرين، حتى أن المشرعين داخل البرلمان البريطاني ليس لديهم خطط مستقبلية لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وينتهي التقرير إلى أن الجدل الذكي حول الهجرة هو جدل حول نمو الدخل الضعيف بين الأوروبيين ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة، وكيفية استيعاب الموجة الجديدة من المهاجرين من الدول الفقيرة، والذين يعززون استمرار انخفاض الأجور، لكن وجودهم ضروري في الوقت نفسه لضمان استمرار عجلة الإنتاج وتعويض التراجع الهائل في معدلات الخصوبة في المستقبل.