الحقيقة أصبحت في عالم يصعب الوصول إليه، أو التعامل مع تضاريسه المتقلبة، فقد أصبح الجماد متحركا، والبحار صحراء والجبال رمالا، ومع ذلك هناك مَنْ يؤمن بالزيف تحت شعار (مع القوم يا شقره). والبعض يضطر لقول نصف الحقيقة، رغم أن نصفها الآخر قد يبرئ ساحتهم في الكثير من المواقف التي تجعلهم محل شك وريبة في نظر الآخرين. يقولون الحقيقة مرة للغاية لاسيما حينما تتعلق بالكشف عن الوجه الحقيقي لأناس مارسوا الخداع ردحا من الزمن. وفي حياتنا اليومية تكون الحقيقة عبارة عن تسلية، بل احيانا تقلب الأمور رأسا على عقب، فالحقيقة في نظر البعض (أضحوكة) والزيف والغش هو العمل البطولي. فالموقف في الحدث واحد، ولكن الأسماء مختلفة، والحقيقة في الموقف الأول أصبحت حقا، وفي الموقف الثاني أصبحت باطلا، لا لشيء وإنما لتغير الأسماء فقط، حتى أضحت تلك الحقيقة تحت مبدأ (كل يغني على ليلاه). وللحقيقة في نظرهم ألوان قزح، وبحر متلاطم يمنة ويسرة، متى ما وجدوا السفينة التي تقلهم رأوا الحق في سمائها وأرضها رغم كل ما فيها من خروق في الباطن، وتزييف في الظاهر. تلك الحقيقة التي خففوا من وطأة الشعارات والعبارات في زمن ما وسموها (طقطقة)، ورفعوا الكرت الأحمر بالتباكي لنفس العبارات والمواقف في زمن آخر وسموها (جريمة). ذاك هو الوهم الذي تلبس بثوب الحقيقة ناصعة البياض في الخارج والمرقعة في الداخل، ومهما علا ضوؤها بوقود المكر سرعان ما سيحل الظلام في شوارعها. ما أصعب أن نمر على هذا الجسر، وما أصعب أن يكون المؤخر في المقدمة والمقدم في المؤخرة، وهذا (النص) في الأندية موجود بواقع مؤلم. الباحث عن الحقيقة في هذا الزمن كمَنْ يمشي على السيرك نسبة وقوعه مثل نسبة نجاته، ولكن الجماهير التي تتابع سعيه وبحثه تتلذذ بالسقوط أكثر من النجاة.